search-form-close

استلام “جامع الجزائر” في موعده هاجس يؤرق الحكومة ويثير تساؤلات

  • facebook-logo twitter-logo

لم يسبق وان حظي أي مشروع في الجزائر، بنفس المتابعة والحرص، كما هو الحال مع مشروع “جامع الجزائر”، فلا يكاد يمر أسبوعا إلا وتفقده وزير أو مسؤول، بل حتى مشروع الطريق السيار شرق-غرب الذي أطلقه الرئيس بوتفليقة، و وصف بمشروع “القرن” لم يحظى بنفس الحرص والمتابعة، ما دفع كثيرون للتساؤل عن سر هذا الإصرار من قبل المسؤولين على انجاز المشروع.

لا يكاد يمر أسبوع دون أن يتفقد وزير أو مسؤول وتيرة انجاز الجامع الكبير والتي تعرف تأخرا كبيرا أغضب الوزير الأول، ودفعه لإقالة مدير الوكالة الوطنية المكلفة بالانجاز، واضطرت الحكومة لاتخاذ قرار تدعيم الورشة بوسائل بشرية ومادية إضافية قصد التمكن من تسليمه جزئيا قبل نهاية العام الجاري، وسيتم منح الشركة الصينية المكلفة بالانجاز التراخيص اللازمة لتدعيم الأشغال.

حرص الحكومة على استلام المشروع في الآجال التي حددتها، عكس مشاريع أخرى ذات بعد اقتصادي واجتماعي، دفع الكثيرين لإثارة تساؤلات، فالسلطات لم تبدا الإصرار ذاته لاستلام مشاريع أخرى على غرار مشروع الطريق السيار، أو مشاريع السكك الحديدية والمشاريع الطرقية، وأشغال انجاز المدارس والمستشفيات، إلا أنها “تغضب” عندما يتعلق الأمر بانجاز “الجامع” الذي ورغم رمزيته الدينية إلا أن تأخر استلامه لا يثير أية مشكلة سواء من الناحية الاقتصادية، أو من حيث التكلفة طالما انه استفاد من ميزانية خاصة لا تتأثر بتراجع مداخيل الدولة.

وقد أسال المشروع منذ بدايته الكثير من الحبر، خاصة بعد تسريب تقرير خبرة لمكتب دراسات ألماني يشكك في احترام آجال الانجاز واختيار الأرضية، كما يعود الحديث في كل مناسبة عن الجدوى الاقتصادية لهذا الصرح الديني، وما إن كان بناؤه مجرد تجسيد لرغبة في بناء أكبر مسجد في إفريقيا والثاني في العالم العربي، أم أن له أبعادا أخرى؟

ويؤكد المسؤولون، أن استلام المشروع في الآجال المحددة هو “التزام أخلاقي مع الرئيس بوتفليقة”، وقد تولى الوزير الأول حاليا، خلال فترة توليه حقيبة السكن، متابعة المشروع شخصيا، بعدما تحول المشروع إلى “قضية مبدأ” في مواجهة الانتقادات التي صدرت عن دوائر إعلامية وسياسية أجنبية، وتحول المشروع من حلم بناء معلم حضاري إسلامي، إلى صراع إيديولوجي.

مسجد الجزائر هو قنبلتها النووية

التصريحات التي صدرت عن مسؤولين و وزراء، لتبرير هذا الحرص على متابعة انجاز المشروع، اتسمت في كثير من الأحيان بالغرابة، خاصة تلك التي أدلى بها وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، في أول زيارة قادته إلى الورشة، حيث شبه امتلاك الجزائر للمسجد بمثابة امتلاك قنبلة نووية، وقال حينها “المسجد الأعظم بالنسبة للبعض وكأنك امتلكت قنبلة نووية، حينما تمتلك قنبلة نووية تجد بالضرورة تكالبا، كلهم يعلمون بان المسجد الأعظم هو القفل الأخير الذي سيربط المرجعية الدينية الوطنية ويحميها، وهم يدركون أن الجزائر البلد الوحيد الذي لا يملك هيئة دينية عليا، الزيتونة في تونس، القرويون في المغرب، الأزهر في مصر”.

وقد اعترف وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، في إحدى تصريحاته السابقة، أن “ملف انجاز الجامع أصبح سياسيا بامتياز”، وهو ما دفع السلطة إلى تغيير الوصاية على المشروع وتحويلها من وزارة الشؤون الدينية إلى وزارة السكن، خاصة بعد التأخيرات التي سجلتها الورشة والانتقادات التي طالته من خبراء ومختصين، بل حتى مواطنين عاديين تساءلوا عن جدوى إقامة مشروع ديني، في الوقت الذي لا يجد فيه الجزائريون مستشفى بمواصفات عالمية يعالجون فيه.

وتولى الوزير الأول، عندما كان على رأس وزارة السكن، مسؤولية الدفاع عن المشروع خاصة بعدما  راحت صحف فرنسية تنبش في المشروع، وتتحدث عن الأخطاء والتجاوزات التي تضمنها، وأشار عبد المجيد تبون، حينها، أن سبب غضب الفرنسيين راجع لكون شركة «بويغ» الفرنسية فشلت في الحصول على الصفقة. و وصف تبون، الانتقادات التي أثيرت حول المشروع ورد السلطات عليها بمثابة معركة للدفاع عن الهوية والإسلام المعتدل.

مشروع الرئيس لا يحتمل التأخير

ورغم أن الحكومة تراجعت عن الكثير من المشاريع وجمدت بعض الورشات التي كانت بصدد إطلاقها بسبب الأزمة المالية، إلا أنها تمسكت بمشروع مسجد الجزائر الأعظم، الذي يريد الرئيس بوتفليقة أن يخلد اسمه به، رغم الميزانية الضخمة المخصصة له، والتي تتجاوز ملياري دولار، والتي قد تعرف زيادات في وقت لاحق، خاصة بعد إعلان وزير السكن تدعيم الورشة بوسائل بشرية وتجهيزات إضافية.

وقد ربط كثيرون بين تدشين مسجد الجزائر الأعظم وبين موعد رحيل الرئيس بوتفليقة عن الحكم، ويعتقد كثيرون ان الرئيس يريد أن يترك بصمة قبل رحيله عن السلطة، وأنه يسعى للانتهاء من هذا المشروع. وهي رسالة فهمها الوزراء المكلفون بمتابعة المشروع، فهم حريصون على تقديم المشروع للرئيس قبل خروجه من قصر المرادية.

ففي أواخر أكتوبر 2016، تفقد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، شخصيا، سير إنجاز المشروع واستمع مطولا لشروحات بشأنه، وكانت تلك الزيارة عنوانا لرسالة مفادها أن الرئيس يحرص شخصيا على استلام المشروع في موعده ولا يقبل أي تأخير. وكان حينها المشروع يعاني من تأخرات كبيرة، ما دفع وزير آنذاك السكن لعقد اجتماعات مطولة مع الوكالة المكلفة بمتابعة المشروع وشركة الانجاز لمناقشة المشاكل التي تعترض انجازه.

وقبل ذالك بستة أشهر، في افريل 2016، أكد حينها وزير السكن والعمران، أن تسليم مشروع مسجد الجزائر الأعظم سيكون في أجل أقصاه الثلاثي الأول من سنة 2017، مشيرا بأنه نجح في تقليص التأخر المسجل إلى 11 شهرا، وحمل مكتب الدراسات الألماني مسؤولية التأخر. قبل ان تصطدم الحكومة بالواقع وتفشل في تسليم المشروع في موعده.

هذا التأخر في الانجاز عاينه عبد المجيد تبون، خلال زيارته للمشروع في ثوب الوزير الأول، وهناك قرر إنهاء مهام محمد قشي مدير الوكالة الوطنية المكلفة بانجاز جامع الجزائر الأعظم، بسبب التأخر في تقدم أشغال المسجد الأعظم. وتشيرا تسريبات بان قشي راح ضحية خلافه مع الشركة الصينية، ويقول مقربون من المسؤول السابق على المشروع “انه لم يكن راضيا على أداء الشركة الصينية واشتكى منها في العديد من المناسبات إلا انه لم يوفق في تغيير رأي السلطات العمومية التي قررت إسناد المشروع للشركة الصينية”.

كما أكد المسؤول السابق على المشروع في لقاءات غير رسمية استحالة تسليم الجامع قبل 2020، وهو ما أكده تقرير الخبرة الذي أنجزه مكتب الدراسات الألماني الذي تكفل في وقت سابق بالمشروع، إذ أكد المكتب الذي فسخ عقده أن المشروع لن يكتمل قبل 2019 أو 2020، وأن الشركة الصينية المكلفة بالإنجاز ليست في المستوى، وأن مكتب الدراسات الألماني رفض الكثير من مقترحات الشركة الصينية، ولكن السلطات الجزائرية بدت أقل تشددا تجاه الشركة المنفذة فيما يخص نوعية الإنجاز.