search-form-close

الأزمة السياسية الجزائرية.. بين مقترحات ضمن الأطر الدستورية و أخرى خارجها

  • facebook-logo twitter-logo

مساهمة:

  1. مقدمة: في البداية يحسن التذكير، في عجالة، بمعاني مهمة في هذا المقام، لاسيما الديمقراطية، الإنتقال الديمقراطي، القانون الدستوري، الفرق بين النظام و أشخاص النظام. بعد ذلك نناقش أسباب الحراك السياسي و دخول النظام السياسي في أزمة، ثم نناقش الحلول المقترحة ضمن الأطر الدستورية و خارج هذه الأطر.
  1. أبجديات

أولا: الديمقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه و لصالح نفسه. الشعب له هوية و تطلعات (أدنى هذه التطلعات أن لا يصبح الجزائري يحلم بالعيش في بلدان أخرى). الشعب يحكم نفسه من خلال المؤسسات الدستورية التي يرتضيها لنفسه و من خلال ممثلين يختارهم لشغل هذه المؤسسات عن طريق انتخابات حرة و نزيهة و باحترام بالقانون الذي يصون حقوق و حريات الإنسان و المواطن، لاسيما الأساسية منها. أما الغاية فهي خدمة الشعب وحده.

ثانيا: القانون الدستوري هو ميزان قانوني يقسط بين سلطة ممثلي الشعب، وفقا لنظام سياسي ما، و بين الحقوق و الحريات الأساسية للشعب، فإذا طغى الحكام في الميزان، كنا أمام إستبداد و طغيان و فساد و إذا طغى الشعب في الميزان كنا أمام فوضى، لأن إحتكام معاشر البشر إلى قانون سنة من سنن الله في كونه.

ثالثا: النظام السياسي : هو جملة القواعد القانونية المكتوبة أو العرفية التي تحكم العلاقة بين الفاعلين السياسيين الأساسيين و تترجم إرادة صاحب السيادة في صيغة يرتضيها لحكمه (كيف يريد الشعب أن يحكم، بضم الياء). فعندما نقول أن نظاما فاسدا، فنحن نقصد معنيين: المعنى الأول هو فساد الأشخاص بسبب وصولهم للحكم بانتخابات غير نزيهة أو أن بطول بقائهم في السلطة ينسون أنهم خدم للشعب لا أسيادا عليه أذلاء أمام أعدائه، و لذلك هناك تحديد للعهدات التمثيلية. أما المعنى الثاني لقولنا أن نظاما فاسدا، فهو أن قواعد الحكم تتطلب التغيير في إتجاه يخدم حكم الديمقراطية أكثر، أعرض هذين المعنيين لأن النظام الحالي إذا ظهر فساد ممارساته سارع للوعود بتعديلات دستورية و كأنه يلقي باللائمة على القواعد لا على ممارسات أشخاصه.

رابعا: لا بد من التذكير بأن ليس هناك نمط موحد للإنتقال الديمقراطي يناسب كل الشعوب، لكن هدف كل إنتقال ديمقراطي هو الإنتقال من ممارسات سياسية (أو أنظمة سياسية) تسلطية أو شبه تسلطية إلى ممارسات (أو أنظمة سياسية) ديمقراطية. أقول هذا لأنني أعتقد أن المستعجل بالنسبة للجزائر هو تغيير الممارسات عن طريق تغيير الأشخاص أولا.

  1. الحراك السياسي في الجزائر

الشرارة الأولى لإنفتاح الحياة السياسية خارج إرادة الممسكين بالسلطة، تظهر بتكسر التحالفات المشكلة للنظام الحاكم بفعل صراع خفي داخل السلطة، فقد تريد بعض القوى داخل النظام وضع بعض الضغط على قوى أخرى لحلحلتها عن موقف سياسي  أو سلوك سياسي ما، خاصة بمناسبة إستحقاق إنتخابي (لأن النظام يستمد مشروعيته من الشعب و لو ظاهريا من خلال تزوير الإنتخابات)، لكن قد يؤدي ذلك إلى حدوث حراك سياسي غير مبرمج، تغذيه أزمة مشروعية النظام و فشله في الآداء. بحيازة الحراك زخم أقوى و أقوى، لا يمكن احتواؤه أمنيا إلا بأثمان باهضة، يحدث إنقسام بين النخب السياسية الحاكمة و يطفو الصراع الخفي إلى السطح، ثم يبدأ النظام بالتنازل و تؤدي الإستجابة إلى مطلب شعبي إلى مطالب أخرى (كرة الثلج).

إلى هنا نكون عند مفترق الطرق: إما إستغلال الفرصة لإحداث إنتقال ديمقراطي حقيقي أو نضيع الطريق و تقع إنتكاسة بالرجوع إلى نظام غير ديمقراطي و لو بنخب جديدة  و أعتقد أن هذه الفرصة تقع بين نوعين من المخارج أو الحلول.

  1. حلول أو مخارج ضمن الأطر الدستورية

نلاحظ أن لهذه المخارج و الحلول مرجعية موجودة في الدستور الساري المفعول تجعلنا نتفادى إنزلاقات كالتي حدثت في التسعينيات، لكنه يعاب عليها أنها مرجعية ذات هامش مناورة ضيق، و إذا لم يوجد تفكير غير تقليدي للخروج من الأزمة، أصبح ذلك مسوغ للخروج عن الأطر الدستورية. ضمن هذا النوع من الحلول نميز بين الحالات الآتية:

أولا: أن لا يكون للحراك من يمثله، و هنا تكون أشخاص النظام القائم هي من تسير المرحلة الإنتقالية، مع إجراء تغييرات في الوجوه هنا و هناك، إستجابة لمطالب الحراك الشعبي، علما أن عدم تمثيل الحراك معناه ترك زمام المبادرة للنظام و إعطائه الوقت الكافي لإعادة ترتيب أوراقه. و هنا تكون احتمالات إنتقال ديمقراطي حقيقي ضئيلة لأنها رهن بحسن نية النظام في إجراء انتخابات حرة و نزيهة و رهن بوجود مرشح على الأقل لرئاسة الجمهورية يحظى برضا عريض من الشعب، تحت طائلة الرجوع إلى أزمة مشروعية جديدة.

ثانيا: أن يكون للحراك ممثلين يعمل النظام القائم على إيجاد صيغة للإنتقال الديمقراطي معهم،     و هنا نميز بين إحتمالين:

  1. الإحتمال الأول هو أن يكون الممثلون ضعاف الصلة بالحراك (ليس لهم رضا عريض من الشعب: طرحوا أنفسهم، أو طرحتهم قلة)، فيسهل على النظام القائم إستقطابهم،  مستغلا ضعف مشروعيتهم و مستخدما إياهم كنوع من الوقود لشحن خزان مشروعيته شبه الفارغ، و هنا يكون إحتمال الإنتقال الديمقراطي الحقيقي أكثر ضآلة لأنه رهن بحسن نية النظام القائم الذي استقوى بممثلين مزعومين للحراك في مواجهة الشعب.
  2. الإحتمال الآخر هو أن يكون للحراك ممثلين أقوياء الصلة به (ترضى عنهم القاعدة العريضة لنزاهتهم و كفاءتهم) و هنا تكون فرص إيجاد صيغة للإنتقال الديمقراطي الحقيقي عالية. و هنا أود أن أحذر من البحث عن صيغ مثالية لتجسيد سيادة الشعب و أنه مصدر كل السلطات من خلال إعتماد إستراتيجيات عالية السقف قد توقعنا في فخ ممارسة الديكتاتورية ضد النخب الحاكمة، لأننا بذلك نعطي لها مسوغا فكريا لمقاربتها الديكتاتورية و قد تؤدي هذه الإستراتيجية القصوى إلى إجهاض الحراك. كما أود أن أذكر أن إبداع حلول غير تقليدية توسع من هامش المناورة ضمن الأطر الدستورية لإيجاد صيغة لإستبدال نخب النظام القديم بنخب تعبر عن روح الحراك الشعبي و الاتفاق معها على صيغة الإنتقال و ذلك من خلال تفاعل إيجابي بين الممسكين بالسلطة و بين ممثلي الحراك الشعبي فيحدث إنتقال سلس، تستتمه النخب الجديدة، فنكون قد حققنا شعار (يتنحاو قاع)، لكن بالتدريج و دون كلفة باهظة.
  1. حلول أو مخارج خارج الأطر الدستورية:

هنا نلاحظ أن هذه المخارج أو الحلول لا تتوفر لها مرجعية، لكنها تجعل هامش المناورة كبير لإيجاد مخارج أو حلول للأزمة، لكن يعاب عليها صعوبة تحقيق التوافق، في زمن معقول، و دون إنزلاقات خطيرة. ضمن هذا النوع من الحلول نميز بين الحالات الآتية، علما أن إحتمالات النجاح تتعلق هنا أيضا:  بعدم وجود ممثلين للحراك أو وجود ممثلين مزعومين أو وجود ممثلين أقوياء.

الإحتمال الأول: أن يستجيب النظام للإستراتيجية القصوى للحراك الشعبي ذات السقف العالي من   المطالب و الملخصة في شعار ”يتنحاو قاع”، فندخل في حالة شغور مؤسساتي تملؤه هيئات خارج الأطر الدستورية لتحكم المرحلة الإنتقالية. هنا يكون الإنتقال الديمقراطي الحقيقي رهن بمدى قدرة القوى المجتمعية، في وقت معقول و في إطار السياقات الجيوسياسية، الأمنية، الاقتصادية،           و إنعكاساتها الاجتماعية، على إيجاد قنوات تواصل و على أن تتوافق على أرضية تشكل مرجعية بديلة للدستور لأجل حكم المرحلة الإنتقالية، و مدى رضا القاعدة العريضة للحراك بالهيئات الناتجة عن هذا الوفاق، ثم بمدى إلتزام و قدرة هذه الهيئات على إيجاد الآليات الناجعة لإجراء انتخابات حرة و نزيهة و بمدى رضا الشعب عن نتائج هذه الإنتخابات حتى لا نعود لأزمة مشروعية من جديد.

الإحتمال الآخر: أن يرى الممسكون بالسلطة بأن الخيارات خارج الأطر الدستورية ذات كلفة باهظة سياسيا و أمنيا و إقتصاديا و إجتماعيا و أن المصالح العليا للدولة أهم من أي نظام سياسي منشود، فيجهض الإنتقال الديمقراطي.

  1. الخاتمة

سواء كانت المخارج أو الحلول داخل أو خارج الأطر الدستورية، هناك، في رأيي، ثلاثة شروط أساسية لحدوث إنتقال ديمقراطي حقيقي في الجزائر: 1) إبقاء النظام تحت ضغط المطالب الأساسية للحراك، لكن الضغط وحده لا يكفي فهو يولد الإنفجار، فلا بد من 2) العمل على إيجاد صيغة إنتقال ديمقراطي في أقرب وقت،  و 3) حتى لا تتميع الجهود و تتمزق القضية الوطنية، لا بد من أن نقدم، جميعنا، الولاء للأمة الجزائرية في هذا الظرف السياسي على أية ولاءات أقل أهمية (عرش، قبيلة، جهة…) لاسيما من خلال إحترام ثوابت المجتمع الجزائري.

فتحي زراري أستاذ جامعي 

ملاحظة: ما ينشر من مساهمات لا يعبر بالضرورة عن رأي وموقف الموقع