search-form-close

قضية الكوكايين، إقالات بالجملة وسجال حول الرئاسيات : الجزائريون يقضون صيفا حارا جدا

  • facebook-logo twitter-logo

 

الجزائر – TSA عربي: لم تكد الحكومة تنتهي من صداع الإضرابات والغليان الاجتماعي، حتى وجدت نفسها أمام قضايا اشد خطورة شغلت الرأي العام، وكشفت للعيان مظاهر فساد مستشرية في قطاعات حساسة ، وشكلت قضية “الكوكايين” وتبعاتها بمثابة الشجرة التي اخفت ممارسات مافياوية كان بطلها “البوشي” الذي نجح بمساعدة “علاقاته” في مد يده لعقارات في ارقي الأحياء حولها إلى سكنات فارهة، وعرف الجزائريون أن “البوشي” الذي أطعمهم “اللحم الحلال” في رمضان لم يكن فقط ذالك المستورد “الشعبي” الذي كان يمنح الأموال للبعض ويتكفل بتكاليف العمرة لآخرين.

قبل أشهر قليلة تحدثت الحكومة عن مناورات سياسوية تسبق الرئاسيات هدفها التشويش على الانتخابات الرئاسية المقررة في سنة 2019. واتهمت حينها أحزاب الموالاة، النقابات المستقلة في قطاعات الصحة والتربية بزعزعة استقرار البلاد قبيل موعد انتخابي هام، وكانت تلك القبضة الحديدية مؤشر على أن الوضع السياسي ستطاله تعقيدات قد تعكر صفو قطار العهدة الخامسة، وسرعان ما وجدت الحكومة نفسها في صراع مع إشاعات لا تنتهي تتحدث عن خلافات في أعلى هرم السلطة، و وجد الوزير الأول احمد اويحيي نفسه في مرمى نيران “المنتقدين” وسط إشاعات متلاحقة عن رحيله من مكتبه بقصر الدكتور سعدان.

الغليان السياسي كان مؤشرا على أن صيف 2018 سيكون “ساخنا” بل ملتهبا، وحاولت الحكومة استعمال ورقة السكنات، لعلها تتمكن من لفت النظر جانبا، وربما كانت ستنجح مؤقتا في مراهنتها على توزيع 100 ألف سكن على الجزائريين، لولا قضية “الكوكايين” التي تفجرت في ميناء وهران و وصلت شظاياها إلى دوائر رسمية وحساسة وأطاحت برؤوس ثقيلة، وسط إشاعات وأقاويل أربكت الجزائريين الذين اكتشفوا أن “كمال شيخي” المدعو “البوشي” لم يكن مجرد مستورد للحم الذي أكله الملايين في رمضان، بل صديق مقرب من مسؤولين مكنوه من بسط يده على عقارات بالملايير وأقام إمبراطورية أساسها الرشوة واستغلال النفوذ.

ومع تقدم التحقيق في القضية، ظهر جليا أن الوضع السياسي في الجزائر مقبل على صيف ملتهب، تجلت أولى لفحاته في قرارات الإقالة التي طالت كبار المسؤولين الامنيين، وأطاحت بقادة كبار في الأمن الوطني والدرك، ومصالح اخرى، ويتوقع أن تتواصل لتطال قضاة ورؤساء دوائر وربما ولاة.

هزة في وهران وارتدادات في قصر المرادية

وقد دأب الجزائريون في السنوات الأخيرة على إطلاق عبارات “فضيحة القرن” أو “هزة القرن” للرد على الفضائح التي صاحبت مشاريع ضخمة اطلقتها الحكومة، وكان بطلها وزراء ومسؤولون وردت أسماؤهم في القضايا التي فتحها القضاء بداية بسوناطراك 1 و 2 وصولا إلى مشروع الطريق السيار، وعرف القضاء كيف يخمد نيرانها، لتعلن الحكومة بافتخار أن لا حصانة للفاسدين.

وبينما كانت أنظار الجزائريين مشدودة إلى مبنى قصر دالي إبراهيم في انتظار من سيخلف ماجر على رأس العارضة الفنية للفريق الوطني بعد خيبات وانتكاسات متوالية، ظهر اسم “البوشي” الذي تحول من مستورد للحم إلى مهندس لأكبر قضية تهريب للكوكايين في تاريخ الجزائر، أحبطتها وحدة البحرية التابعة للجيش يوم 29 ماي الماضي بالواجهة البحرية الغربية، وقدرت الكمية بــ 7 قناطير كانت مُحملة على متن سفينة تجارية تحمل علم دولة ليبيريا، قادمة من البرازيل إلى المياه الإقليمية الجزائرية باتجاه ميناء وهران، معبأة في شحنة اللحوم المستوردة.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن ضابط سابق في المخابرات الجزئرية، يقيم حاليا في باريس، أن تدخل الجيش لاعتراض هذه الشحنة من الكوكايين بدلاً من الشرطة والجمارك، جاء لكون المعلومات المتعلقة بهذه القضية قد نقلت إلى المخابرات الجزائرية من قبل “كيان أوروبي” في هذه الحالة كيان فرنسي-إسباني، في إطار التعاون في مكافحة الإرهاب.

وأضاف بهذا الخصوص، أن ما أثار انتباه أجهزة المخابرات الإسبانية والفرنسية، “هي طريقة دفع قيمة هذه الكمية من الكوكايين وكون أن العبوات التي كانت تحوي هذه المادة كانت تتوفر على نظام تحديد المواقع التي تنطلق منها إشارة للتعرف على موقعها”، مشيرا بان هذين العاملين أكثر أهمية من القيمة المالية للشحنة في حد ذاتها وليس إلى حد كبير المبلغ. وتوصلت مصالح الاستخبارات الأجنبية التي تابعت القضية إلى ضبط نفس طريقة عمل الشبكات التي تستخدم المخدرات كوسيلة دفع لشراء الأسلحة، وهي عمليات “يمارسها على نطاق واسع الإرهابيون ومهربوا المخدرات في أفغانستان والقوات المسلحة الثورية في كولومبيا.

وأوضح المحامي شايب صادق الذي يترافع عن كمال شيخي، أن موكله صرح لقاضي التحقيق بأن عملية الشراء تمت بطريقة قانونية حسب الإجراءات والوثائق الرسمية المعمول بها دوليا، بما يخلي تماما مسؤوليته في شحنة الكوكايين الضخمة التي ضبطت في الحاوية التابعة لشركته. وأضاف المحامي في تصريح لـ”الخبر”، أن موكله أوضح لقاضي التحقيق بأن هذه الكمية من الكوكايين، قد تكون تابعة لعصابة ولوبيات من أمريكا اللاتينية أرادوا تمريرها عبر شحنة اللحوم، وأخذوا احتياطاتهم لرميها في عرض البحر بدليل وجود مصابيح مائية ضبطت في الباخرة.

استنفار استخباراتي وقضائي لتفكيك شبكة “البوشي”

وكان واضحا أن المتورطين لم يكونوا مهربين صغاراً، وتحدثت مصادر مختلفة بان القضية من صنع شبكة نسجت خيوطها طيلة اشهر وعرفت كيف تغري مسؤولين كبار وهو العامل الذي كان وراء الضجة الإعلامية والشعبية الكبيرة المثارة حولها، ولم تمر سوى ساعات قليلة من بداية التحقيق حتى بدأت أسماء المتورطين في الظهور وحملت معها بعض المفاجآت.

وبموازاة التحقيقات الجارية في الجزائر، أرسل قاضي التحقيق في القضية، إنابات قضائية دولية لعدة دول مرّت عليها الباخرة، مثل إسبانيا والبرازيل وكذلك إيطاليا التي تنتمي إليها شركة الشحن وسويسرا حيث يوجد مقر الشركة لمعرفة تفاصيل أكثر عن طريقة عمل الشبكة المتورطة وتفكيك خيوطها، واكتشف المحققون بان قضية “الكوكايين” كانت بمثابة الشجرة التي كشفت “غابة” البوشي الذي عرف كيف يطيح في شباكه مسؤولين محليين ومركزيين في دوائر حساسة.

ونقلت يومية “الخبر” عن مصدر قضائي، أن المعطيات التي قدمها شيخي لرجال الشرطة القضائية، بشأن شبكة علاقاته العميقة مع القضاة، تفيد بأنه كان سببا في ترقية بعضهم وإنهاء مهام عدد منهم. وقد تم ذلك بفضل روابطه القوية مع مسؤولين (2) بمديرية الموارد البشرية بوزارة العدل، الجهة المسؤولة عن اقتراح التعيينات وترقيات في الوظائف القضائية السامية والمسؤولة أيضا عن إنهاء الخدمة أيضا.

لا حصانة للمتورطين

وحرصت الحكومة منذ البداية على إظهار نيتها في معالجة القضية بحزم، وقال وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح أن “العقاب لن يستثني أحداً ممن ثبت تورطهم في القضية، مهما كانت مناصبهم”، وأعلن إيداع ستة متهمين الحبس بأمر من قاضي التحقيق بعد استكمال إجراءات التحقيق التي أضفت على وجود قرائن قوية تدين المتّهمين ليقوم بإيداع أوامر إيداع ضدهم .

وفيما تحدثت اويحيي عن اعتداء تعرضت له الجزائر في قضية الكوكايين، أشاد نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، بجهود وحدات حراس السواحل من أجل تأمين وحماية المشارف البحرية من كل الأخطار، واعتبر أن الكمية الكبيرة من مخدر الكوكايين المحجوزة مؤخرا إلا خير دليل على نجاعة هذه الجهود.

حملة اقالات تطيح باللواء هامل وقائد الدرك والقائمة قد تطول

وبينما كانت التحقيقات في قضية “البوشي” تتقدم، خرج المدير العام السابق للأمن الوطني اللواء عبد الغاني هامل بتصريحات مثيرة بشان قضية “الكوكايين” أشار من خلالها إلى حدوث “تجاوزات واختراقات” في التحقيق الابتدائي، قبل أن يضيف بان القضاة كانوا بالمرصاد وحسموا الأمور ولم يتركوها “تتميع”، وأضاف “المؤسسة الشرطية عازمة على مواصلة عملها وعلى مواصلة محاربة الفساد ونقول الذي يريد محاربة الفساد يجب أن يكون نظيف”. وتحدث عن ملفات بحوزة الأمن بشان القضية ستسلم إلى العدالة.

ساعات قليلة فقط من إدلائه بتلك التصريحات، التي أثارت الكثير من الجدل بشأن الجهة التي يحملها اللواء مسؤولية التجاوزات في التحقيق الابتدائي خاصة وان تسريبات إعلامية تحدثت عن تورط السائق الشخصي للواء في القضية وهي اتهامات نفتها مديرية الأمن الوطني، صدر قرار رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، بإقالة المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل. وتعيين العقيد مصطفى لهبيري بدلا عنه، الذي أنهى بدوره مهام رئيس أمن ولاية الجزائر مراقب الشرطة، نور الدين برّاشدي.

وبعد تنحية اللواء من منصبه على رأس جهاز الشرطة، جاء الدور على قائد لواء الدرك الوطني مناد نوبة، وخلفه في المنصب العميد غالي بلقصير. كما تم إنهاء مهام قيادات بارزة بوزارة الدفاع، ويتعلق الأمر –حسبما نقلته أوساط إعلامية- باللواء بوجمعة بودواور، الذي كان يشغل منصب مدير المالية بالوزارة، كما تم إنهاء مهام مدير الموارد البشرية بنفس الوزارة اللواء مقداد بن زيان. ويتوقع محللون أن تتوسع قائمة المسؤولين المعنيين بقرارات الإقالة وإنهاء المهام لتشمل رؤساء دوائر وربما ولاة، وقد تطال أجهزة عديدة منها القضاء والداخلية والجمارك والضرائب ومصالح إدارية أخرى، وهي كلها مؤشرات توحي أن الصيف خذه السنة سيكون ساخنا بامتياز.