الجزائر-tsa عربي: توقع عبد العزيز رحابي، وزير الاتصال والدبلوماسي الأسبق، تَحوّل الحراك الشعبي المناهض لترشح بوتفليقة لعهدة خامسة إلى عصيان مدني شامل بمجرد إعلان المجلس الدستوري عن أسماء المرشحين الرسمين للرئاسيات المقبلة، بالمقابل حذّر رحابي في حوار مع “tsa عربي” من تصريحات نائب وزير الدفاع الوطني الفريق أحمد قايد صالح، الداعمة للرئيس بوتفليقة بشكل مباشر.
كلام كثير يُقال عن الوضع السياسي في الجزائر، فماهي قراءتكم للمشهد قبل شهرين من الرئاسيات؟
لعل أهم ما يُميز الوضع السياسي في الوقت الراهن هو انعدام الرؤية غير أن هذا الأمر ليس بالجديد لأن النظام الجزائري مُهيّكل على المحطات الانتخابية وبالتالي السياسة هي من تحكم الأمة وليس المواعيد الاجتماعية والاقتصادية والإنجازات الكبرى للأسف الشديد.
الأزمة في الجزائر بدأت بتعديل الرئيس بوتفليقة للدستور عام 2008، وفتح العهدات الرئاسية، بشكل أدخل البلاد في رئاسة مدى الحياة، عاكسًا بذلك تيار التاريخ الذي يحكم العالم.
اليوم الجزائر تعيش أزمة مؤسسة رئاسية تحولت إلى أزمه وطن، بمعنى أن مشكل عبد العزيز بوتفليقة الصحي أصبح مُشكل الجزائر كافة وأدخلنا في مرحلة اللامعقول، لأن الانسداد وصل إلى ذروته كما أن الجزائريين لا يعرفون أين يتوجهون. هم فقط يكتشفون الرئاسة مدى الحياة.
فكما يعلم الجميع، وعلى مدار التاريخ الجزائري، شهدت بلادنا انقلابًا على الرئيس أحمد بن بلة، فجاء بعدها الرئيس هواري بومدين الذي وافته المنية، ليأتي بعده الشادلي بن جديد، الذي خلفه أحمد بوضياف الذي تم اغتياله. أما زروال استقال من منصبه، لكن الرئيس بوتفليقة كرس ثقافة سياسية جديدة وهي الرئاسة مدى الحياة، لكنه أخطأ لأن هذا الأمر ضد وتيرة التاريخ.
أريد أن أشير إلى أمر مهم، هناك أناس يقولون إننا أمام عهدة رئاسية خامسة لبوتفليقة، لكن في حقيقة الأمر، هي العهدة الثانية لشقيقه الأصغر السعيد، لأن الرئيس في العهدة الرابعة كان غائبًا بسبب وضعه الصحي، ويومها قيل للشعب الجزائري أنه يتماثل للشفاء لربح عطف الشعب الجزائري.
أحمد أويحيى وعبد المالك سلال يصرحون بغير ذلك، ويجزمون أن الحالة الصحية للرئيس ليست عائقًا؟
عليهم تحمل مسؤولياتهم الكاملة فيما يقولون. يظنون أن الشعب الجزائري غير واعي وهم قادرون على إسكاته ببعض التصريحات والوعود لكنهم يجهلون التاريخ الجزائري على ما يبدو.
للأسف نحن خرجنا من السياسية ودخلنا في الشعوذة السياسية. ليس هنالك منطق في كلامهم. يقولون إن رئيس الجمهورية قادر على اتخاذ قرارات وتسيير البلاد لكن هذا غير منطقي. السلطة السياسية وأصحاب القرار باتوا يستخفون بذكاء وعبقرية الشعب.
تشهد الجزائر في الأيام الأخيرة احتجاجات رافضة للعهدة الخامسة، هل نحن أمام حراك شعبي أم ماذا؟
بإعلان العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، أحسَّ الشعب الجزائري أنه أصيب في كبريائه وكرامته وحتى شرفه. كيف لبلد مثل الجزائر ضحت من أجل الاستقلال وقدمت ملايين الشهداء، أن تصبح اليوم محل سخرية ومضحة في العالم، ليس المتقدم فقط بل حتى دول العالم الثالث.
في السابق كان الجزائري يُقدم دروسًا للآخرين في العزة والكرامة، لكنه الآن أصبح يخجل من انتمائه وهذا الأمر خطير جدًا. الأكيد أننا أمام بداية حراك حتى لو لم يكن منظمًا، غير أنه مرتبط بتراكمات ناجمة عن تسلط وفساد النظام الجزائري. على عكس ما يقال إن الجزائريين يخافون من التعبير عن مواقفهم، هم صبورين ولهم قدرة على التحمل لكن لكل شيء حدود.
الجزائر فيها نخب لم تكن موجودة في وقت الاستقلال. ووعي المجتمع ارتفع بحكم التعليم والتجارب في الخارج وحتى تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا. لكن الحكام لايزالون يسيرون البلاد بعقلية الستينات والتخويف بالوحدة الوطنية والأمن والاستقرار خطاب أكل عليه الدهر وشرب.
الجزائري يخاف اليوم من انعدام العدالة الاجتماعية والرشوة وليس من العدو الافتراضي الذي تُسوق له السلطة من أجل البقاء.
في هذه الحالة لماذا تلتزم أحزاب المعارضة الصمت إذًا؟
ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة وقّع شهادة وفاة السياسة في الجزائر وأعطى إشارة على أن الممارسة السياسية في هذا البلد انتهت وهي من دون نتائج أو مردودية.
المعارضة تحركت قبل نحو أربع سنوات بالتزامن مع استحقاقات 2014، وأجرت عدة مشاورات واتصالات، حول برنامج بديل، لكن كل الأبواب أغلقت في وجهها.
العمل السياسي في الجزائر ليس بالهين. النظام يسير بعقلية إذا لم تكن معي فأنت عدوي. هذه طبيعة النظام الذي أغلق كل فضاءات الحرية والتعبير بصفة كاملة وشاملة.
نحن نرحب بمبادرة المعارضة للالتفاف حول مرشح توافقي التي أطلقها رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله. هذا دليل على أن روح ندوة مازفران مازالت موجودة، وأن المعارضة مسؤولة وعازمة على إحداث التغير في البلد، وأن السلطة هي من تغامر برئيس غائب عن الساحة.
كيف تقرأون تصريحات نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد بخصوص الرئاسيات التي أثارت الكثير من الجدل؟
مع اقتراب موعد الرئاسيات يتحول قائد أركان الجيش الوطني الشعبي إلى مؤيّد مباشر لرئيس الجمهورية، وهو ما حصل في انتخابات 2014 و2019.
أولًا كل خطاب سياسي يُوجه لأفراد الجيش الوطني الشعبي هو يتنافى مع صلاحيات الجيش الدستورية، والأخطر من ذلك أنه يعطي شعور أن الجيش متحزب ومتحيز وهو ما يخلق هشاشة في العلاقة بين الجيش والشعب ويكسر الاجماع الوطني.
كما هو معلوم في كل المجتمعات العالم، الجيوش تحاول أن تحافظ على الإجماع الوطني حولها ومهامها وهو شأن السياسة الخارجية. لكن للأسف في الجزائر مع قرب المواعيد الانتخابية، تعطي قيادة الجيش إشارات واضحة على أنها تُؤيد مترشحًا بعينه وتصبح بالتالي طرف في الانتخابات والمغامرة السياسية لأن الرئيس هذه المرة غائب عن الساحة.
هذا الكلام قلته عام 2004 و2014، وأعيده اليوم، ففي كل محطة انتخابية يُوظف الجيش سياسيًا وهذا يمس بوحدة قيادته وعلاقته مع الشعب. وهو ما يجعلنا نتوقع أن لا يكون حياد الجيش في الرئاسيات المقبلة ولا يخدم أحد.
تقولون إن الأوضاع في البلاد تأزمت فما هو الحل، وإلى أين نحن سائرون؟
السلطة الآن ليس لها مع من تتفاوض لأنها اختارت هذا الطريق وفي هذه الحالة ستجدُ نفسها في مواجهة الوعي الاجتماعي في الشارع. لأنها لم ترغب في وقت سابق بالتفاوض مع شيء منظم ومهيكل.
بأي حق تطلب السلطة من الجزائريين التصويت على رئيس جمهورية غائب؟ الوضع يختلف تمامًا عن 2014، لأن الخطاب الرسمي آنذاك كان أن الرئيس بوتفليقة سيتماثل للشفاء لكن ذلك لم يحدث وحالته الصحية تدهورت وبالتالي لا يمكنه تسيير البلاد.
الحل يكمن في إنتخابات مفتوحة وشفافة كما هو معمول به في كل دول العالم وحتى دول إفريقية مجاورة تخطت هذا الإشكال وأصبحت تنظم انتخابات شفافة. أما في الجزائر الجميع يشك في الانتخابات ونتائجها.
تصرفات النظام الحاكم أصبحت لا تطاق، كل من يطالب بحقه وبعيش كريم يجد العصا في انتظاره. الأطباء فروا إلى الخارج. النخب الجزائرية لا تكره بلادها كما يحاولون تصوير ذلك، إنهم يكرهون طبيعة النظام الذي لا يزال يتصرف بعقلية الستينات.
حقيقة لو استمر الوضع على حاله، وأصر صناع القرار على ترشيح بوتفليقة في الرئاسيات القادمة، الأكيد أن رد الشارع سيكون قوي جدًا بعد 3 مارس، أي مباشرة عقب إعلان المجلس الدستوري عن أسماء المرشحين الحقيقين.
نحن اليوم أمام بداية الحراك الشعبي، لكن أتوقع عصيانًا مدنيًا ضد السياسة والسياسيين بصفة عامة. المجتمع سينتفض لأنه يحس بالحقرة وبالظلم.