search-form-close

الجزائر- كواليس المخاض العسير لولادة أول رئيس إسلامي معارض للبرلمان

  • facebook-logo twitter-logo

الجزائر – TSA عربي: لم يتوقع أحد من نواب المجلس الشعبي الوطني ولا حتى المتابعين للشأن السياسي في البلاد، أن تعود رئاسة البرلمان، لأحد المحسوبين على الأحزاب الإسلامية المعارضة في سابقة تاريخية لم تشهدها الجزائر من قبل. فماذا تغير. هل هي خطوة نحو الديمقراطية. حالة استثنائية، أم حسابات الرئاسيات. أسئلة طرحها كل من حضر جلسة تزكية سليمان شنين خلفًا للأفلاني (حزب جبهة التحرير الوطني) معاذ بوشارب الذي جرفته رياح التغيير.

المفاجأة

التاريخ… يوم الأربعاء الموافق للعاشر من جويلية. المكان… مقر المجلس الشعبي الوطني والمناسبة هي جلسة إنتخاب رئيس جديد للبرلمان. الأجواء كانت عادية والأصداء ُتشير إلى إيداع ستة أسماء ملفات ترشحها، إثنان عن حزب جبهة التحرير الوطني وهما عبد الحميد سي عفيف (المحسوب على محمد جميعي)، بوعلاق مصطفى (جناح معاذ بوشارب) بشكل عكس شدة الصراع داخل الأفلان. بالإضافة إلى محمد هلالي، عن كتلة الاحرار، نور الدين كنائب برلماني ممثل عن الجالية، بن عولة هواري، نائب برلماني عن حزب حركة الوفاق الوطني، ولخضر سيدي عثمان، عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي.

ماهي إلا لحظات، حتى حدثت المفاجأة. مترشح آخر من خارج القائمة المتداولة. إنه سليمان شنين، رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد من أجل النهضة و العدالة والبناء، يعلن ترشحه لرئاسة البرلمان، في خطوة أثارت دهشة الكثيرين بما فيهم نواب أحزاب الموالاة  أو ما كان يسمى بالتحالف الرئاسي (الأفلان، الأرندي، تاج والأمبيا) الذين اختلطت عليهم الأوراق، في ظل تردد أنباء  في الكواليس أن ترشح شنين يحظى بمباركة السلطة الفعلية في البلاد، وترشحه تم بإيعاز.

صدمة في الأفلان

خبر ترشُح شنين (54 عامًا) لرئاسة البرلمان خلفًا لمعاذ بوشارب، نزل كالصاعقة على نواب حزب جبهة التحرير الوطني، الذين لم يهضموا فكرة ترشح “إسلامي معارض” لا تحوز الكتلة البرلمانية ”النهضة والعدالة والبناء“ التي ينتمي إليها إلا على 15 نائبًا، لرئاسة البرلمان، بينما يحوز الأفلان على 261 برلماني.

تجاوزًا لهول الصدمة، شرع النواب في عقد اجتماعات متتالية فيما بينهم بمقر الكتلة البرلمانية بالطابق الأول من المجلس الشعبي الوطني، حتى أن الكثير منهم قال لصحافين في الكواليس “لن نقبل بهذا الشيء، إنهم يحلمون. الأفلان هو حزب الأغلبية”. صعوبة هضم الفكرة، جعلت نواب “جبهة التحرير” يطرحون عدة سيناريوهات، منها العودة إلى الوراء، أو ما أسموها بـ”الشرعية” من خلال الاستنجاد بالرئيس الأسبق، السعيد بوحجة الذي جرت تنحيته من طرف النواب خريف 2018، في أعقاب حادثة “الكادنة” الشهيرة.

الأرندي يدعم

بينما استمرت حالة الغليان والتوتر في الكتلة البرلمانية للأفلان، سارع حلفيه التقليدي التجمع الوطني الديمقراطي، لعقد إجتماع، أعلن فيه سحب مرشحه لخضر سيدي عثمان، ودعمه لما وصفه بـ”مرشح التوافق الوطني” وهو سليمان شنين. وبرّر الأرندي قراره بـ”تغليب مصلحة الوطن وحفاظًا على إستقرار مؤسسات الدولة وإعطاء فرصة للمعارضة لتولي مقاليد الحكم”.

إعلان الأرندي، دعم المرشح شنين، الذي يبدو أنه تم بإيعاز، زاد من حدة الغموض أكثر، فكيف للحزب الذي كان يُهاجم الإسلامين على لسان أمينه العام السابق، أحمد أويحيى المتواجد رهن الحبس، أن يزكي هذا الخيار.

أصوات المساندين ترتفع

يبدو أن الجميع فهم الرسالة جيدًا، وهي أن سليمان شنين هو من سيتولى رئاسة البرلمان، وأن القرار حُسم وما بقي على النواب إلا مسايرته والقبول به. فكانت النتيجة إعلان بقية الكتل البرلمانية ضم صوتها للأرندي ودعم المرشح الإسلامي، وهي الحركة الشعبية الجزائرية، جبهة المستقل، تجمع أمل الجزائر.

في تصريح للصحافة قال رئيس المجموعة البرلمانية للحركة الشعبية الشيخ بربارة” إتفقنا على أن يكون الرئيس المقبل للمجلس الشعبي الوطني يحمل مواصفات معينة وليس شخصًا بعينه، ومن بين المواصفات أن لا يكون مسؤولا سابقا ولا فاسدا، ومن بين الأسماء المترشحة التي بلغتنا، هو سليمان شنين”.

وأضاف بربارة “الظروف التي تعيشها البلاد يجب أن تكيفنا ولا تتلفنا والمجلس الشعبي الوطني هي المؤسسة التي تتمتع بالشرعية الشعبية، ويقع على مسؤوليتنا وعاتقنا كممثلي الشعب أن نتنازل عن المسؤولية ورئاسة المجلس لشخصية كانت في المعارضة وهذا يدل على إيماننا بالديمقراطية والتداول على السلطة”.

حمس .. قرار بدون حسابات

في خضم تسارع الأحداث، أعلنت حركة مجتمع السلم تمسكها بموقفها في مقاطعة جلسة إنتخاب رئيس جديد للبرلمان، وكانت غير قادرة على تغييره عقب ظهور مرشح المعارضة سليمان شنين في آخر لحظة.

وقال رئيس المجموعة البرلمانية لحمس أحمد صادوق “مقاطعتنا الجلسة هو امتداد لمواقفنا السابقة بتجميد النشاط البرلماني لغاية رحيل جميع الباءات . كنا ننتظر بعد استقالة بوشارب، أن تغير السلطة الفعلية أساليبها ولا تنتهج سياسية الـأمر الواقع التي لطالما كانت غير مجدية، ولهذا قلنا أننا غير معنون بجلسة انتخاب رئيس برلمان جديد وفق المعطيات التي كانت موجودة” ويعني صادوق بالمعطيات هي عدم موافقتهم على الأسماء المرشحة على ما يبدو.

أما عن قرار ترشح سليمان شنين وهو المحسوب على كتلة المعارضة ذات التوجه الإسلامي، علق أحمد صادوق “المرشح ظهر اليوم الأربعاء، واتصل بي ولكن بعد فوات الأوان أي بعد إتخاذ موقف المقاطعة ولا يمكن لحزب مسؤول ومحترم وله مؤسسات أن يغير موقفه ونحن نلتزم به ونتحمل كل النتائج”.

وبدأ شنين مساره السياسي في حركة مجتمع السلم(حمس)، في تسعينيات القرن الماضي، وكان ضمن شباب الحزب المقربين من مؤسسها الراحل محفوظ نحناح، قبل أن ينسحب عام 2008، إحتجاجًا على فوز الرئيس السابق أبو جرة سلطاني، بعهدة ثانية، ليكون بعدها من المؤسسين لحركة التغيير التي يقودها الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة، قبل أن ينسحب منها ويؤسس رفقة قياديين آخرين حركة البناء عام 2013.

6 ساعات للفصل

فصل الجميع في موقفه، وظل حزب جبهة التحرير الوطني، فاقدًا للبوصلة وغير متقبل لما يحدث داخل أروقة المجلس الشعبي الوطني، فإضطر محمد جميعي الأمين العام للحزب لعقد إجتماع مع نواب كتله دام أزيد من خمس ساعات، إنتهى بإعلان دعم سليمان شنين لرئاسة البرلمان، الذي أجرى زيارة مجاملة للأفلان، وسط عدم رضا غالبية الحاضرين الذين صوتوا على قرار الدعم مكرهين وفق ما أكده الكثيرون منهم.

ولأن السياسية نفاق كما يقال، أصدر الأفلان بيان أعلن فيه أن دعم شنين جاء بعد نقاش معمق وطويل ومن أجل مصلحة الجزائر واستمرار مؤسساتها، مشيرًا” قرر نواب الكتلة البرلمانية للأفلان التنازل عن حقهم في رئاسة البرلمان، إسهامًا منهم في تقديم المصلحة العليا للوطن على المسألة الحزبية”.

الأكثر من ذلك أن حزب جبهة التحرير الوطني، دعا الرئيس الجديد للبرلمان، سليمان شنين، لعدم التعامل مع من وصفهم بـ “المتمردين” عن كتلة الأفلان، تحت أي ظرف. والمقصود هم الأشخاص الذين يعارضون قرارات محمد جميعي، والموالين للرئيس السابق للمجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب. أما محمد جميعي فصرح للصحافين أن”الأفلان سلم بدعمه لمرشح من المعارضة، حق من حقوقه، ولتذهب المناصب للجحيم إذا كانت مصلحة الوطن تتطلب ذلك”.

شنين رئيسًا للبرلمان

بعد دعم المرشح الإسلامي، زكى نواب المجلس الشعبي الوطني، سليمان شنين، رئيسًا جديدًا للبرلمان من كتلة معارضة ذات توجه إسلامي، في جلسة عامة عقدت، في حدود الساعة الثامنة مساء من يوم الأربعاء، بعد انسحاب كل المرشحين الآخرين الستة. وكان مقررًا أن تعقد الجلسة صبيحة الأربعاء، لكن مفاوضات بين مختلف الكتل النيابية آجلتها إلى المساء.

وقال شنين، فور انتخابه، إن “هذه جلسة تاريخية في حياة بلادنا لعدة اعتبارات، كونها جاءت في ظرف حساس ويجب أن نعطي للشعب الثقة الكاملة في مؤسسات الدولة، ونعبر عن دعمنا لهذا الحراك الشعبي السلمي، كما لا يفوتنا أن ندعم ونعتز لموقف الجيش الوطني الشعبي وقيادته، وخاصة تصريحات قائد الأركان (قايد صالح) المتكررة في مكافحة الفساد وبناء دولة ديمقراطية”.

ويعد شنين الرئيس الحادي عشر لهذا المجلس الذي تأسس عام 1977، والثالث خلال العهدة البرلمانية الحالية (2017-2022) بعد كل من سعيد بوحجة (2017-2018) ومعاذ بوشارب (2018-2019)، إذ لم يسبق أن تولت شخصية من حزب معارض إلى المنصب الذي ظل حكرًا على حزبي جبهة التحرير الوطني، وحليفه التجمع الوطني الديمقراطي.