search-form-close

الجزائر-محاكمة سجناء الحراك: يوم “تراجيدي” في أروقة المحكمة

  • facebook-logo twitter-logo

الجزائر-tsaعربي: “نحن نقدس هذا البلد العظيم فكيف لنا أن نمس بوحدته وسلامته الترابية”، بهذه العبارة ردّ 20 من معتقلي الحراك على أسئلة القاضي، في محاكمة جرت من دون هيئة الدفاع التي قرّرت مقاطعة الجلسة احتجاجًا على عدم استقلالية العدالة.

عاشت قاعة الجلسات بمحكمة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، اليوم الإثنين 18 نوفمبر، أجواء غير عادية وهي تشهدُ محاكمة جديدة لمعتقلي الحراك. عشرات المحامين “يتجولون” بجباتهم السوداء في أروقة المحكمة، بينما تنتظر عائلات السجناء بشغف وخوف كبيرين إنطلاق المحاكمة، طمعًا في البراءة.

*هيئة الدفاع تقاطع

في حدود الساعة الثانية بعد الزوال، دق الجرس بالقاعة، إيذانًا بانطلاق المحاكمة، لكن الحاضرين لم يتمالكوا أعصابهم وهم يشاهدون المعتقلين يدخلون واحدًا تلو الآخر، فمتزجت المشاعر بين البكاء والتصفيقات وهتافات: “جزائر حرة ديمقراطية”.

طلب قاضي الجلسة من الحاضرين إلتزام الصمت تحسبًا لانطلاق المرافعات، غير أن عشرات المحامين الذين تأسسوا للدفاع عن المعتقلين قرّروا مقاطعة الجلسة.

تقدم نقيب المحامين من القاضي ليشرح له موقف هيئة الدفاع قائلًا: “الغاية الأسمى للحراك هي استقلالية القضاء لأنها الركيزة الأساسية ونضالنا جميعًا كمواطنين ومحامين. هو استقلالية القضاء، لكننا لمسنا أن المحاكمة العادلة بمحكمة سيدي أمحمد غير متوفرة ولأننا صوت الشعب قرّرنا مقاطعة الجلسة ليس ضد الأشخاص بل جهاز المحكمة”.

ونقل نقيب المحاميين للقاضي غضب أصحاب الجبة السوداء، من غياب مبدإ المساواة بين الأحكام في التهم الموجهة لهؤلاء المعتقلين، بالرغم من أن قضايا المتابعة متشابهة من حيث المضمون والشكل.

وكانت محكمة باب الواد بالعاصمة قضت بأحكام البراءة في حق 5 معتقلين اتهموا بـ “تهديد سلامة التراب الوطني” على خلفية حملهم للراية الأمازيغية، في حين أن محكمة سيدي أمحمد أصدرت أحكامًا بالحبس لمدة سنة (6 أشهر غير نافذة) في حق 21 معتقلًا آخرين في نفس الملف.

حاول القاضي إقناع المحامين بضرورة استكمال المحاكمة لأنها تتعلق بحرية الأشخاص، غير أن هيئة الدفاع تمسكت بموقفها بمقاطعة الجلسة، واستأذن المحامون القاضي لترديد النشيد الوطني في رسالة مفادها أن الجزائريين مرتبطون بوحدتهم الوطنية ولا يوجد من يريد المساس بوحدتها الترابية.

*نحن أبرياء

بعد خروج المحامين، قرّر القاضي استكمال الجلسة، واستجواب المعتقلين الذين غالبيتهم من الشباب(طلبة) ولا تتعدى أعمالهم الثلاثين سنة. جميعهم نفوا التهمة الموجهة إليهم وهي المساس بالوحدة الوطنية.

وأجمع المعتقلون وهم يجيبون على أسئلة القاضي أن حبهم لوطنهم الجزائر، لا يجعلهم أبدًا يفكرون في المساس به، وقال أحد المساجين “هذا وطني الذي أعيش فيه كيف لي أن أمس به” ليضيف آخر”أنا فخور بانتمائي إلى وطني وحقيقة لا أدري لماذا أنا موجود هنا”.

وتشابهت أغلب إجابات السجناء، بأن نيتهم عند حمل الراية الأمازيغية أو رفع اللافتات، أو بيع الأقمصة والقبعات في الحراك، لم تكن أبدًا ضرب وحدة واستقرار الوطن، إذ قال أحد الشباب “أنا اختصاصي الفنون المطبعية (أنفوغرافيا)، وصنعي للأقمصة والقبعات المكتوب عليها شعارات من الحراك على غرار “خاوة خاوة وسلمية”، لم يكن أبدًا ضرب وحدة الوطن وإنما كسب بعض المال لمساعدة نفسي”.

وإن كان أغلب المعتقلين حاولوا تبادل الابتسامات مع عائلاتهم، بدت الطالبة دحماني نور الهدى ياسمين (22 عامًا)، أكثرهم تأثرًا. مطأطأة الرأس، شاردة وعلامات الحزن بادية على محياها.

ورفضت الطالبة الإجابة على أسئلة القاضي مكتفية بالقول “أريد التأجيل”، ليردّ عليها “يمكنني أن أدون أنك التزمت الصمت إن شئتي ذلك” لتجيبه مرة ثانية بكل خجل “أريد التأجيل”، قبل أن تُغادر القاعة لتعود للانزواء في زنزانتها التي تقول أمها إنها لم تتوقع أبدا أن ستدخلها.

وكيل الجمهورية إلتمس عامين حبسًا، ومائة ألف دينار لجميع المعتقلين العشرين (11 منهم رهن الحبس المؤقت و 9 آخرون تحت الرقابة القضائية)، في إنتظار أن يصدر الحكم النهائي يوم 25 نوفمبر، لكن قبل ذلك كانت كلمة الختام لكل السجناء: “نريد البراءة يا سيادة القاضي لأننا لم نفعل شيء لنسجن”.