search-form-close

المتشددين و اللينين في النخبة العسكرية تجاه ثورة الابتسامة

  • facebook-logo twitter-logo

مساهمة: في كل الثورات التي ترفض نظاما يعيش أيامه الأخيرة، ثمة  متشددون مستعدون لصب الزيت على النار لخلق انقسامات، ولينون مستعدون لتقديم تنازلات لمرافقة حركة تغيير لا بد منها. تاريخيا، ثمة تجارب تحول ديمقراطي فاشلة( الجزائر سنة 1991، سوريا سنة 2011)، وأخرى نجحت باستعمال العنف الدموي انتهت بفرار المتشددين من الحرص القديم إلى الخارج( إيران 1978)، ولكن ثمة أيضا عمليات تحول جرت في سلمية تامة( دول أوروبا الشرقية في بادية التسعينات).

التجارب السلمية للتحول الديمقراطي هي تلك التي استطاعت فيها النخب المعتدلة اللينة تحييد النخب المتشددة  ضمن آفاق إعادة إدماجها داخل الخريطة المؤسساتية الجديدة. كيف يمكن قراءة الوضع الحالي في الجزائر على ضوء شبكة التحليل هذه؟

الفرضية الأولى التي يمكن وضعها هي أن  الصقور المتشددين يخشون تحمل بمفردهم تبعات ما حدث في سنوات التسعينات، وأن  يتم التراجع عن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وإلغاءه و التراجع في إطار صيرورة عدالة انتقالية جديدة. تصريحات الفريق قايد صالح يوم 16 أفريل، والتحذير الذي وجهه للفريق المتقاعد توفيق مدين، أحد الأوجه البارزة للقمع خلال التسعينات، هي مؤشر على أنه إلى غاية اليوم، الكفة  لا تزيل تميل لصالح المعتدلين اللًينين داخل القيادة العسكرية، إنهم يعارضون بشدة الصقور المتشددين الذين يدفعون بالوضع إلى التعفن لتبرير إعلان حالة طوارئ. هؤلاء، المعجبين بأساليب الجنرال الفرنسي ماسو Massu، يريدون تكرار معركة الجزائر في الجزائر المستقلة. إنهم يحلمون بتطويق القصبة وباب الواد بفرق المظليين. هؤلاء نسوا بأن الجيش الوطني الشعبي ليس جيشا أجنبيا، ونسوا بأن الضباط  والجنود لن ينفذوا أوامرهم، ولن يسيروا مع مخططاتهم. ولكنهم رغم ذلك، مستعدين لفعل كل شيء من أجل دفع المتظاهرين إلى الخروج عن سلميتهم وممارسة العنف. إن تجنيد جماعات من الشبان المنحرفين لاستفزاز الشرطة والاعتداء عليها يندرج ضمن مخطط لتشوبه الحراك الشعبي. يريد هؤلاء المتشددين الذهاب إلى وضع متعفن، يسمح لهم بتجنب تغيير النظام. يقوم بتنفيذ هذا المخطط على أرض الميدان، بعض قدماء جهاز الاستعلام والأمن، الذين لا يزالون متواجدين بقوة في مختلف أجهزة الأمن.  هؤلاء هم من يقوم بتوقيف المتظاهرين، وتعرية النساء داخل مقرات الأمن لخلق مناخ من الفوضى والعصيان. هذا هو معنى التحذير الذي وجهه قائد الأركان لتوفيق مدين، المعروف سابقا ” برب الدزاير ” ، والذي نعته عمار سعيداني ”بشيطان تيغنتورين”.

من أجل إفشال هذا المخطط الشيطاني، يجب على المتظاهرين في الشارع أن يعملوا على توقيف كل من يقوم بقذف مصالح الأمن بالحجارة وتقديمهم إلى الشرطة التي عليها القيام بتحقيقات لمعرفة من يحرضهم ويقف ورائهم.

يجب أن لا ننسى بأن سوريا سقطت في العنف والدمار بسبب تغلب الصقور المتشددين على المعتدلين اللينين. لقد قاموا بإطلاق صراح المعتقلين في قضايا الأمن العام وقدموا لهم أسلحة  لإطلاق النار على أفراد الجيش، مما اضطر بالجنود إلى الرد عليهم. كان ذلك بمثابة بداية التصدع بين المتظاهرين والجيش السوري. المتشددين السوريين لا يزالون في السلطة ولكن البلد إنهار ودمر عن آخره.

إن التجربة السورية يجب أن تكون درسا لكثير من الضباط السامين في الجيش الجزائري، الذين حافظوا على برودة أعصابهم لأنهم مقتنعين بأن التسوية وحدها فقط من يستطيع إخراج البلاد من المأزق الذي وقعت فيه. لهذا السبب، هم مستعدين اليوم لمرافقة  الحراك الشعبي لأن القمع العسكري لا يمكن أن ينفع أمام حركة احتجاجية بهذا العمق. هؤلاء المعتدلين، مقتنعين بأن تطور المجتمع الجزائري يفرض نمط جديد من الحكم، وأنه ما من قوة قادرة على الوقوف في وجه هذه التحولات. لا يعني هذا بأن هؤلاء هم من يمثل محرك التغيير، بل هم مجرد مرافقين للحراك الشعبي الذي دعائهم إلى ذلك  من خلال شعار ( جيش شعب، خاوة خاوة ) . تقع على عاتق المعتدلين مسؤولية تاريخية تتمثل في تجنيب البلد مأساة وطنية ثانية.

*لهواري عدي. جامعي