search-form-close

توضيحات دستورية حول مدة رئاسة الدولة في إطار المرحلة النيابية: الآجال الدستورية

  • facebook-logo twitter-logo

مساهمة:

تمهيد: توالت الرسائل، التصريحات والمبادرات الرامية إلى إقرار خيار المرحلة الانتقالية “قصيرة المدة”، (مع هلامية هذا المصطلح وغموضها، فهل يقصد بها ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو عام ؟)، فيما يتمسك البعض الآخر، بالحل الدستوري القائم على احترام الآجال والكيفيات المنصوص عليها دستوريًا، توجسًا من كون أن الخروج عن مقتضيات الدستور والدخول في مرحلة غير مدروسة ومحددة الأهداف، الآجال والميكانيزمات قد يؤدي إلى انزلاقات خطيرة أو تأزيم في الوضع، في ظل التصحر البائن (في الساحة السياسية الوطنية)، وعدم وجود خريطة طريق متوافق عليها وطنيًا أو ممثلين حقيقين للحراك الشعبي، بسبب رفض الحراك تعيين ممثلين مع صعوبة القيام بذلك عمليًا حاليًا.

أما السلطة الحاكمة حاليا، صاحبة القرار، تتمسك بالخيار الثاني المبني على ضرورة عدم الخروج عن أحكام الدستور، عن طريق التّقيد بالفترة النيابية لرئيس الدولة (رئيس مجلس الأمة)، وفقًا للآجال المنصوص عليها تنظم خلالها الانتخابات الرئاسية.

غير أن هذا الخيار الحتمي للسلطة الفعلية يصطدم مع رفض غالبية الحراك الشعبي لانتخابات الرابع من جويلية في ظل إشراف الحكومة الحالية (حكومة بدوي) ، ضف إلى ذلك عدم تنصيب الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات، في ظل هاته الظروف يكون لزامًا تأجيل الانتخابات إلى غاية توفير المناخ الملائم لها من خلال توفير ضمانات حقيقية، سيما استبعاد الأشخاص المرفوضين شعبيًا، إلا أن هذا الطرح قد يصطدم مع نفاذ الآجال القانونية لرئيس الدولة الحالي؛ فما هي القراءات والتفسيرات الدستورية لهاته الحالة؟

أولاً: التذكير ببعض مقتضيات تفسير النصوص الدستورية :

1- الجهة التي يمكن لها أن تنظر في فترة رئاسة الدولة : يجب التذكير بأنه للمجلس الدستوري أن يشارك في ممارسة السلطة التأسيسية والتشريعية من خلال تفسيراته.

2- فقهًا : يقصد بعملية التفسير لحكم دستوري هو تحديد معنى الحكم محل التفسير بإضفاء الطابع المعياري عليه بما يقيد ويوجه تطبيقه أي الوصول إلى معنى دقيق يضفي على الحكم صفة القاعدة المعيارية Norme juridique ، ما يعني أنه عملية شرح وتحليل علمي لحكم قانوني.
3-  يؤكد الدكتور السعيد بوالشعير بأن:” هناك مناهج وتقنيات للتفسير الدستوري المتميز عن تفسيرات النصوص القانونية الأخرى كونه ذو مضمون معياري نوعي وينظم علاقات سياسية متحولة داخل الدولة يتطلب نموذج تفسيري يسمح بتكييف النصوص الدستورية مع تحولات الحياة السياسية ” ، وموضحًا المناهج المعتمدة :

  1. المنهج التفسيري أو الشرحي                          Méthode exégétique
  2. المنهج الغائي                                        Méthode Téléologique
  3. المنهج الحركي أو التطوري                                Méthode évolutive
  4. المنهج البنيوي أو التركيبي                        Méthode Structuraliste    
  5. المنهج المقيد والممدد               Méthode restrictive et extensive

ثانيا : هل يمكن تمديد الفترة النيابية لرئيس الدولة ؟

1- الأعمال التحضيرية المتعلقة بتمديد فترة نيابة رئيس الدولة : يجدر الإشارة بأن فترة نيابة رئيس الدولة كانت محددة بـــ 60 يوما قبل التعديل الدستوري لعام 2016 ، وبموجب هذا التعديل أصبحت 90 يوما، وعند الرجوع إلى الأعمال التحضيرية المتعلقة بهاته المراجعة الدستورية لاسيما عرض أسباب المشروع نجد أنها ربطت هذا التعديل ربطًا جوهريًا بعملية تنظيم الانتخابات الرئاسية من حيث أن تمديد الآجال الدستورية كان بهدف إعطاء الحيز الزماني الكافي لإجراء الانتخابات الرئاسية في جو من الرزانة والهدوء ودون الإخلال بالضمانات الدستورية والقانونية المنصوص عليها منذ استدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية إعلان النتائج وإقرارها من طرف المجلس الدستوري.

2المنهج المتبع: الاعتماد على المنهج المركب في توضيح واستخلاص المخرج الدستوري لبداية المدد الدستوري لرئيس الدولة الجديد،وعدم الاكتفاء بالمنهج الشرحي، نظرًا لعدم ورود نص صريح لهاته الحالة، وتوسيعًا للكتلة الدستورية وتطبيقا للقاعدة المعيارية، وكذا المبادئ القانونية المتعارف عليها سيما مبدأ استمرارية سير المرافق العامة.

3من هي الجهة الدستورية المخولة بالتصريح بذلك ووفق أي شكل قانوني ؟؟ : الجهة المخولة هو “المجلس الدستوري” عن طريق “مذكرة ايضاحية(تفسيرية)”.

نؤكد مجددًا، بأن المرحلة أو الحالة النيابية هي أنجع الوضعيات القانونية التي يمكن أن ينصح بها للمرور الآمن نحو الإنفراج، والانطلاقة الحقيقية نحو وضع لبنة نظام جديد أكثر عدلاً وإنصافًا، وذلك من خلال العمل الآني على توفير الظروف والمناخ المناسب للتحول الديمقراطي ، من خلال الاستجابة الفورية لمطالب الشارع السياسي بإستقالة رئيس الدولة وتعويضه بشخصية توافقية تعيّن مسبقًا بمجلس الأمة (عن طريق الثلث الرئاسي)، لتؤول إليها رئاسة الدولة فيما بعد، ومن ثم تبدأ الآجال الدستورية من جديد 90 يومًا يتم خلالها استدعاء الهيئة الناخبة من جديد، وتدارك النقائص في مقدمتها: تصفية الوعاء الانتخابي وتعيين الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات (تعديل قانونها العضوي لإعطائها صلاحيات حقيقية في الرقابة والإشراف)، وتعيين حكومة جديدة من كفاءات مستقلة ومحايدة تسهر على العملية الانتخابية بكل شفافية ونزاهة.

ومجمل المبنى والمعنى،  يجب استبدال رئيس الدولة ليكون هناك المصوغ الدستوري لتمديد آجال رئاسة الدولة بالنيابة 90 يومًا أخرى،تبدأ من تاريخ هذا التنصيب الجديد، ولكي لا ندخل في حالة الشغور الدستوري.

*الأستاذ خالد شبلي:

باحث في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية

عضو بمخبر القانون، العمران والمحيط ( كلية الحقوق –جامعة عنابة)

الأبيار في 19/05/2019

ملاحظة: ما ينشر من مساهمات لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع