search-form-close

حوار – عبد العزيز رحابي : التساؤلات حول شرعية الحصانة الممنوحة لبوتفليقة

  • facebook-logo twitter-logo

 

أطفأ الحراك شمعته الأولى السبت 22 فبراير… أي تقييم تقدمون ؟ ما الذي يجب تذكره من عام من المظاهرات غير المسبوقة في تاريخ البلاد؟

عبد العزيز رحابي: إذا توجب علينا قياس المسائل من حيث السعة التاريخية في حياة الأمم، يشكل الحراك  التجربة الأولى للقطيعة غير العنيفة بالنسبة للجزائر المستقلة، ويدخلنا في الحداثة السياسية بطريقة سلمية.

أعتقد أن هاته الحركة الشعبية الهائلة وغير المسبوقة قد وفقت بين الجزائر ومصيرها وتاريخها وجغرافيتها، إلا أن آثارها لا يمكن إستشفافها على المدى القصير. من الصحيح أن الحراك يخيف أولئك الذين يخشون ظهور الديمقراطية في الجزائر، متعددون هم في خضم الدولة، وفي الأوساط اللارسمية، وفي محيطنا الجيوسياسي، بسبب جاذبيته في مجتمعات الفضاء الأفرو-عربي (الأفريقي والعربي).

يرى جزء من الرأي العام وبعض المفكرين أن الحراك قد فشل, في حين يساند البعض الآخر عكس ذلك. ما هو تقديركم للموضوع؟

لا ينبغي إرجاع حركة بهذا الحجم إلى مصائر فردية أو إلى طموحات مجموعات إجتماعية أو سياسية. وهو ما يحدث جزئيا في جزائر اليوم. لكن، لا ينبغي أن يوظف هذا كذريعة لتبرير عدم قدرتنا على مرافقته وجعله عامل معجلا لتاريخنا. فهو في المقام الأول ثورة ثقافية، لا شيء فيها يستمر كما كان من قبل على صعيد الحريات، والحوكمة، خاصة فيما يتصل بالسيطرة على الثروة العامة والعدالة. إن هذه القفزة النوعية هي التي تسمح لنا بالقول أن الحراك قد نجح رغم مقاومات التغيير من نظام بائد ومجتمع غير مجهز أمام حراك حامل لمشروع، ودون إتجاه محدد.

إن هيكلة الحراك في حد ذاتها محل نقاش. هل تعتقدون أن الحراك الشعبي يحتاج إلى ممثلين؟

أعتقد بشكل راسخ أن هيكلة الدولة الفاشلة أكثر الأمور إلحاحا وإستعجالا، مما هو بالنسبة لهيكلة الحراك الممثل من قبل مطالبه السياسية البارزة، التي تشكل بذاتها برنامجا كاملا، كنوع من المداولات بين مواطنين حددوا الخطوط العريضة لمشروع مجتمعي. إن النقاش حول هيكلة الحراك متكرر ولا يحمل دائما نوايا سليمة. إذ يبدو كآلية لإضعاف حراك أفقي الطبيعة والمقصد، يراد إقتصاره في إحتجاج لتدجينه أو تشويه سمعة أي متحدث بإسم ثورة المواطنة. يبقى أننا لن ندخل في الفعل السياسي إلا من خلال تفعيل التعاونيات والنقابات والأجزاب والمجتمع المدني، وإلا يكون الحراك قد سعى إلى تغيير السلطة بدل إسترجاعها عبر نشاط سياسي منظم في إطار قانوني. هذا في إعتقادي أكبر تحد ستتم مواجهته في الأشهر المقبلة.

تبقى كذلك مواصلة تجنب الوقوع في دوامة العنف

قوضت التعبئة الشعبية بقوتها، وإستمراريتها، وضبطها التوقعات الأكثر تشاؤما لأنها لم تكن ممثلة وبالتالي محمية من أي أشكال المقايضة. لقد ضعف حاكمي السلطة بسبب سياسة التشظي المنتظم للأحزاب والمتجتمع المدني في العقدين الأخيرين، ثم وظفوا كل طاقتهم ووسائل الدولة لشيطنة الحراك وتجريم أبرز ناشطيه.

من ابرز ما ترتب على هذه الحالة، في ظل غياب وسائط  إجتماعية وسياسية، أن حاشية الرئيس السابق وقيادة الجيش وجدا نفسيهما أمام شعب مصمم، مطلع على تجارب الماضي السيئة ومتعلم منها وشبيبة متطلبة ومتحكمة في وسائل التواصل الاجتماعي.

هل مكنت الإنتخابات الرئاسية في 12/12، المرفوضة بالأمس، من التقدم نحو الخروج من المأزق السياسي الذي إنحصرت فيه البلاد لعدة أشهر ؟

يؤسفني أن الأجندة السياسية لم تحض بإجماع ولو ضئيل كما إقترحناه في مؤتمر عين بنيان، أين تمت الدعوة إلى الحوار كوسيلة تفضيلية للخروج من الأزمة. بطبيعة الحال لا يتحمل الرئيس الحالي هاته المسؤولية، لكن إتفاقا سياسيا سابقا للإنتجابات كان من شأنه أن يعزز التأييد الشعبي ويقوي مصداقية أول إقتراع بعد بوتفليقة. لازال من الممكن إقامة توافق وطني من أجل ميثاق للحكم، حتى وإن كانت ثقافتنا السياسية طور التشكل ولم تصل إلى مرحلة النضج المطلوب. لا زلت أعتقد بشدة في إمكانية جعل هذه العهدة عهدة إنتقالية إذا ما لبت الأجندة الإنتخابية مطلبات الشفافية والانتظام. فمن الوهم والخطورة بمكان مواصلة العمل بأسلوب تمثيل قائم على علاقات القوة ومواصلة السير عكس إتجاه التاريخ.

لقد حذرتم من « عدم إمكانية الحكم » في الجزائر. أيزال الوضع كذلك؟

صحيح أن هناك مؤشرات إسترضاء مشجعة في الشهرين الماضيين، لكنني لازلت أعتقد أنه يصعب تحديد شروط الثقة بين الشعب ونظامه السياسي، من دون توافق وطني شامل قائم على حس المسؤولية والتنازلات المتبادلة. نحن لا نحكم الجزائرين، نحن نحكم معهم.

شرع الرئيس تبون، في هذا الاتجاه، في التحاور مع الشخصيات السياسية. لقد إلتقيم به، هل تعتقدون أنه أخذ توصياتكم بعين الاعتبار ؟

أود التذكير أن الحوار هو مطلب المعارضة منذ مازفران 1 في 2014 ومازفران 2 في 2016، ومؤخرا عين بنيان؛ مثله مثل مطلب الانتقال الديمقراطي التوافقي، التدريجي والسلمي. في هذا الصدد، ما فتئت أشجع وأدافع عن أوجه التقارب وكل أشكال الحوار التي تخرج بلدنا من عدم اليقين الذي يميز حياة الأمة في بئية إقيمية شديدة التهديد. أصغى رئيس الجمهورية بإنتباه إلى مطلبي المتعلقة بالتعجيل في وثيرة الإصلاحات، خاصة في مجالات العدالة، توسيع نطاق الحوار، إطلاق سراح معتقلي الحراك، ورفع العقبات التي تعترض ممارسة حرية التعبير. وكلي أمل أن لا يواجه مقاومة الدولة الريعية القاتلة للحرية، التي تعد تاريخيا المسؤول الرئيسي عن فشل تجارب إصلاح النظام السياسي تحت رئاسة الشاذلي وزروال.

تظهر السلطة إزدواجية في التعامل مع الحراك. فمن ناحية، تمجده؛ ومن ناحية أخرى تحظر المؤتمرات ووتمنع الدخول إلى الجزائر. ما هو تفسيركم لهذا؟

يبقى الكثير من العمل ضروريا فيما يخص حرية التعبير والتجمع، فالتحجج بالاعتبارات الأمنية نادرا ما يكون مبرارا، والتي للأسف لازالت ترهن القرار السياسي. إن العقبات الأخيرة التي إعترضت العمل السياسي لأعضاء البديل الديمقراطي والمجتمع المدني هي أبرز مظاهر ذلك. لقد نشأ نظامنا السياسي على الإحساس بالخوف وهو أبرز سماته منذ حرب التحرير.

في عهد بوتفليقة، كان الحديث على سلطة الظل. هل هناك خطر العودة إلى ذلك النظام؟

في ظل غياب نظام سياسي ضامن للعدالة وحرية التعبير، كالحصن الوحيد ضد الإغراء الشمولي، سيبقى مستفيدو تواطؤ السلطة-المال مؤثرين، حتى وإن تجازونا الأكثر صعوبة عندما كنا على مشارف أزمة سياسية وأمنية خطيرة في شهر مارس الماضي. نحن مدينون، إلى حد بعيد، للرئيس زروال، الذي رفض عرض تسيير المرحلة الإنتقالية لأنه أوعى أنها عملية تهدف إلى مصادرة إنتصار الشعب، من خلال المراهنة على شعبية الرئيس السابق لتمديد رئاسة بوتفليقة.

بالنسبة لي، حان أوان الانتقال إلى مرحلة أخرى في تحديد المسؤوليات في الأزمة، أمام خطورة إستمرارها وتطرفها. إذ أصبحت، اليوم، التساؤلات مشروعة حول الحصانة الممنوحة لبوتفليقة منذ سنة وعدم محاكمته على مسؤوليته المباشرة في الأزمة، بفعل تفويض صلاحياته الدستورية لشقيقه المغامر، والتغطية السياسية التي وفرها للفساد والافلات من العقاب.