search-form-close

نزاع آيت احمد وبن بلة، الأمازيغية، المعارضة .. حوار مع علي يحيى عبد النور

NEWPRESS
الحقوقي و المناضل الكبير, علي يحيى عبد النور
  • facebook-logo twitter-logo

يستعيد الحقوقي و المناضل الكبير علي يحيى عبد النور، في هذا الحوار مع “TSA عربي” العديد من المحطات من مساره النضالي الطويل، فقد  دخل التعليم في سن الثامنة عشر بمنطقة صوامع (ولاية تيزي وزو) على مسافة سبع كيلومترات من القرية مقر إقامته، ويقول أنه كان يتنقل مشيا على الأقدام كل صباح ومساء.

جند سنة 1942 إلى غاية سنة 1945، وأصيب ودخل المستشفى في فرنسا. ليعود إلى التعليم مجددا ومعها بدأ مسارا نضاليا لم ينته إلى اليوم. 

أستاذ علي يحيى عبد النور، سبعين سنة من النضال في الحركة الوطنية ثم من أجل حقوق الإنسان في الجزائر المستقلة، مسار مشرف جدا لكن دون شك أنتم نادمون عن أحداث كثيرة، أليس كذلك؟

إنخرطت في حزب الشعب بعدما خرجت من المستشفى في تولوز، حيث عدت إلى التعليم. وعند إندلاع الثورة التحريرية شاركت فيها كنقابي بالدرجة الأولى، حيث خلفت عيسات إيدير على رأس الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

كما ساهمت في عملية العصفور الأزرق بحكم معرفتي لأحمد أوزايد في حزب الشعب وخرجنا منه سويا إثر أزمة سنة 1949. أحمد أوزايد طلب مني أن أقدم له توجيهات حول أسئلة الضباط الفرنسيين. فقلت له لا يجب أن ترد على أي سؤال قل لهم أنك فلاح تريد محاربة الأفالان وفقط وقل لهم أعطونا السلاح واللباس والمال لتجنيد الشباب الذين سيقومون بهذه المهمة.

وحدث أن زارني أحمد أوزايد ذات يوم من شهر أفريل 1955، ليخبرني بالقرار الذي اتخذ لإعدام المناضل أعمر آيت حمودة  وكان علينا أن نمنع إعدامه ولم ننجح في ذلك. من بين المحطات كذلك التي أثرت في نفسي كذلك إستدعائي من قبل بن خدة وغيره من القياديين بعد مؤتمر الصومام حول إضراب الثمانية أيام. إقترحت آنذاك إضرابا لمدة يومين، السبت والأحد، على مستوى مقاطعة العاصمة فقط، أي من تيزي وزو إلى مليانة.  كان لدينا 103 آلاف نقابي في الاتحاد العام للعمال الجزائريين في هذه المقاطعة لوحدها. فقلت لهم بإستطاعتنا شل المطار والميناء لمدة والصحافة العالمية كلها موجودة في العاصمة. عبان رمضان أجابني: أنت عليك أن تنفذ الأوامر وفقط، وبعد هذا الاجتماع إلتقيت واعلي بناي في سكوار بورسعيد حاليا، حول مأدبة غذاء، وفي المساء إستدعاني بن خدة ليقول لي: إلتقيت بناي واعلي؟ قلت له : نعم أعرفه منذ مدة لأنه هو المسؤول عن تيزي وزو في حزب الشعب لسنوات… فأخبرني بأنه محكوم عليه بالإعدام وطلب مني أن أتصل بعبان رمضان ليفسر لي الأمر.

ثم جاء توقيفي قبل موعد إضراب الثمانية أيام وتم إطلاق سراحي في 1959 لكن مع طردي أنا وزوجتي المتهمة بالشيوعية هي الأخرى.  فغادرنا الجزائر نحو تونس وهناك كنت المسؤول الأول عن الاتحاد العام إلى غاية الاستقلال. وعند التوقيع على وقف إطلاق النار، أصدرت بيانا بإسم الاتحاد العام قلت فيه أن وقف إطلاق النار لا يعني السلم. وهو التصريح الذي نقلته لوموند تحت عنوان “القوة النقابية تتحفظ على وقف إطلاق النار”. وهنا إتصل بي بن خدة من المغرب ليقول لي “توقف عن الادلاء بأي تصريح”. وأتذكر أنه إستدعاني قبل إجتماع للحكومة المؤقتة في تونس وجرى بيني وبينه حديثا قويا على مسامع محمد بوضياف، حيث قال لي بن خدة ” خلاص أنت الآن أصبحت مستقلا وتدلي بتصريحات…” فقلت له أنا أمثل الاتحاد العام وأصدرت بيانا موجها لمن يساعدوننا حتى لا يقطعوا عنا المساعدات إعتقادا أن الحرب إنتهت.  أتذكر أيضا أنه منعني حتى من المشاركة في إجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية بسبب هذه الحادثة. 

كتاب بعنوان “وصية من أجل الحريات” هل هذا يعني أن علي يحيى عبد النور قرر التوقف نهائيا عن النضال؟

أنا الآن عمري 97 سنة ومررت بمرض خطير وإبنتي المتواجدة معي هي التي ساعدتني على تجاوز هذه المحنة. لم أعد قادرا على الحركة ولا على الوقوف وقد وصفت هذه الحالة في كتابي هذا. لكن لدي رسالة أريد أن أبلغها للأجيال الجديدة. لقد سافرت في القارات الخمس وحاولت أن أفهم هذا العالم وأن أجلب إلى الجزائر ما يمكن أن يساعد الشباب الجزائري لفهم العالم وجعل الجزائر أمة مثل بقية أمم العالم.

عندما أنشأنا الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان وطلب مني أن أترأسها قضيت ليالي طويلة في قراءة كتب عن حقوق الانسان وتسجيل رؤوس أقلام وكأنني ما زلت في التعليم. 

بين طرح المعارضة الذي يقول أن الاستقلال لم يكتمل وطرح السلطة الذي يقدم دائما الانجازات المادية كدليل أنها في الاتجاه الصحيح. هل يمكن تقريب وجهتي النظر أم يجب إنتظار نهاية الصراع مع نهاية الجيل المؤسس للدولة الجزائرية المستقلة؟

على المستوى السياسي نحن مثل كوريا الشمالية وعلى المستوى الاقتصادي نحن في حالة إفلاس وعلى مستوى الحريات نحن نتذيل الدول الافريقية، لأن هناك دول إفريقيا الآن تعترف بالحريات وبحقوق الانسان .. عندما حاول طالب إنشاء حزب منع من ذلك وعندما حاول غزالي إنشاء حزب قيل له، لا. صحيح هناك مرافق أنجزت لكن جزء كبير من الأموال العمومية ذهبت إلى الرشوة والفساد. 

في نظركم إذن، أستاذ علي يحيى عبد النور، لا يمكن أن تلتق المعارضة مع السلطة أبدا؟

أبدا السلطة ترفض الحوار وتطالب المعارضة بتأييدها ليس إلا. وحتى تعرف أننا متخلفون يجب النظر إلى وضعية المرأة مثلا، حيث تعتبر نصف الرجل في أمرين الميراث والشهادة. هل يعقل أن تمثل المرأة الأغلبية في قطاع التعليم والصحة وحتى في العدالة وعندما تقف أمام القاضي لا يقبل بشهادتها بمبرر تطبيق الشريعة الاسلامية؟ 

لنعود إلى المحطات الكبرى التي ميزت مساركم ومرت بها الجزائر المستقلة. ونبدأ بالمعارضة المسلحة من خلال الأفافاس الذي شاركتم في تأسيسه. هل ندتم على شيئ في هذه المحطة؟

عندما دخلت من تونس كريم بلقاسم أوصى محند أولحاج بضمي إلى جانبه. محند أولحاج ارسل إلي رائدا قال لي يجب أن تكون معنا لأن الوضع صعب حاليا.

وفي أفريل 63 قبل إنعقاد مؤتمر الأفافاس أخبرني آيت أحمد في المجلس التأسيسي بأنه لم يعد قادر على البقاء في العاصمة من أجل الحديث عن الدستور مع بن بلة والأفلان الذي إستحوذ على كل شيء. فقرر الذهاب إلى عين الحمام.

بعد الاستقلال عدت إلى أرض الوطن، وحينها طلب مني محند أولحاج أن أكون مستشار له. كريم هو من أوصاه بذلك. قضى الليلة هنا في هذا البيت (شارع بوقرة بالعاصمة). أخبرني بأن آيت طلب منه أن ينضم إليه لكن لم يخبرني بأنه سيأخذ كل الناحية العسكرية السابعة. فطلب مني أن أكون بجانبه، وقبل هذا سبق لآيت أحمد كذلك بأن أخبرني في المجلس التأسيسي أنه سئم من النقاش مع بن بلة ومن بقي معه حول الدستور… فأخبرني بقراره الانصراف إلى مسقط رأسه في عين الحمام بتيزي وزو. وآيت أحمد لم يكن له إستعداد لأي مناقشات وإجتماعات أخرى، حيث حدثته بعد الاستقلال مباشرة عن كفاءات كثيرة إلتقيتها في السجون ومراكز الاعتقال… فكان جوابه “إن أردت أن تكون خلفي مرحبا أما البقية فهو من الماضي. إجتمعنا لأول مرة عند آيت مدري المناضل الكبير الذي قتل من طرف قوات الجيش الوطني الشعبي بعد ذلك. وفي هذا الاجتماع تناول المحامي أوصديق الكلمة وقال أن القيادة العسكرية يجب أن تعود لآيت أحمد. ضباط محند أولحاج لم يتقبلوا هذا الأمر. وقال لي محند أولحاج كلمة في هذا الاطار لن أنساها أبدا. لقد قال لي “آيت أحمد يحب نفسه“.

بعد هذا إتصل بنا سعيد عبيد المسؤول العسكري في منطقة تيزي وزو لنلتقي بن بلة. محند أولحاج إختارني أنا وآيت أحمد إختار المحامي أوصديق. إلتقينا سعيد عبيد في تيزي وزو  ولأنني تعرفت عليه في السابق رفقة الحاج لخضر، فقد إنفرد بي ليقول لي أنا متفق معكم تماما وطلب مني أن يلتقي محند أولحاج. لكن بن بلة تحت ضغط الأفلان في العاصمة وصف محند أولحاج في إحدى تصريحاته بالعقيد السابق بينما هو كان قائدا للناحية العسكرية السابعة، فلم يلتق سعيد عبيد بمحند أولحاج وإلتقى بآيت أحمد.

وأريد أن أؤكد على شيء هنا، لم نكن نعتقد أن الأمور ستصل إلى حد المواجهة بالسلاح بين الاخوة الذين حاربوا بالأمس الاستعمار أبدا. كنا نسعى للضغط على السلطة وليس أكثر. وعندما جاءت قضية حرب الرمال طرحنا القضية في إجتماع بجمعة أنساريج (بلدية في تيزي وزو) : هل نترك المغرب يغزو الجزائر ويحتل تلمسان وحتى وهران؟ إفترقنا بعد هذا الاجتماع وكما تعلمون آيت أحمد أوقف وتولى عبد الحفيظ ياحا القيادة… دخل في إتصال مع بن بلة رفقة أكلي بن يونس المدعو دانيال (عضو مجلس الأمة حاليا). بينما حضر محند أولحاج إلى العاصمة يوما قبل هذا اللقاء وقضى الليلة في ثكنة بالحراش وإنضم إلى بومدين وأيد الانقلاب على بن بلة… وأريد أن أذكر شيئا للتاريخ في هذه النقطة، خالة آيت أحمد التي ساعدته على الفرار من سجن الحراش بتواطئ مدير السجن، أوقفت بسبب هذه العملية. وإبنتها جاءت تطلب مني التدخل. فإتصلت بشريف بلقاسم الذي إحتفظت بعلاقات جيدة معه ووافق على التدخل وأطلق سراحها، ولم يكن ذلك بتدخل من غيره كما يدعيه أهل آيت أحمد اليوم. 

نصل الآن إلى الربيع الأمازيغي الذي تزامن مع تأسيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان. معروف أن مولود معمري كان يدرس بالجامعة بشكل رسمي. ماذا حدث بالضبط حتى تنقلب الأمور وتتحول إلى مواجهة بين منطقة القبائل والسلطة دون أن تنتهي إلى اليوم ؟

الذي سمح لمولود معمري بتقديم دروس في جامعة الجزائر هو طالب الابراهيمي وهي دروس محدودة. وفي المقابل وزير العدل الأسبق الذي كان مسؤولا في تيزي وزو آنذاك (يقصد شريف خروبي) منع المحاضرة التي كانت مقررة في تيزي وزو وإشتعلت الأحداث.

وفي نفس الوقت كان مناضلي الحركة الأمازيغية الشباب في إتصال مع آيت أحمد، بينما السلطة آنذاك إتهمت شقيقي رشيد بتحريضهم وبدوره كان يحرضه الاستعمار الجديد… أما علاقتي أنا بمناضلي الحركة الأمازيغية فبدأت حين تأسست كمحامي أبناء الشهداء الذين حوكموا بتهمة “البربرية”… ومع ذلك إتهموني أيضا بتحريضهم. وأقول شيئا أيضا لأول مرة في هذه القضية أن سعيد سعدي راسلني من السجن ليطلب مني عدم التأسيس كمحامي في قيضتهم، لأنه كان يعتقد أنني متضامن مع شقيقي رشيد وأن شقيقي يمثل الاستعمار الجديد 

سعيد سعدي طلب منك عدم التأسيس عن “تكتيك” سياسي أم كان هو الآخر يعتبر عائلة علي يحيى تحركها أيادي الاستعمار؟

لا هو رفض عن قناعة وليس عن “تكتيك” سياسي. وبعد خروجه من السجن إعتذر مني. 

من الدفاع عن مناضلي الحركة الأمازيغية إلى الدفاع عن الفيس. أليس إنقلاب على قناعاتكم السابقة؟

الذي لا يفهمه الجزائريون أن رابطة حقوق الإنسان لا تدافع على الايديولوجيات بل تدافع على الأشخاص. رابطة حقوق الانسان الفرنسية التي تأسست بعد قضية دريفوس تقول بأن أي شخص محروم من حرياته له الحق بالدفاع. لكن عندنا في الجزائر رأيتم الشتائم التي تعرضت لها عندما دافعت عن قيادة الفيس. صدقني إبني وإبنتي كانا ينتظراني كل يوم بخوف شديد عندما أخرج من البيت. لم يكونا يصدقان أنني سأعود في المساء 

آخر محطة، إنسحبتم من رابطة حقوق الانسان وتفرغتم للمعارضة في إطار تنسيقية الانتقال الديمقراطي. المبادرة فشلت مجددا لماذا؟

عندما قررت مغادرة الرابطة بعد 20 سنة طلبت من شخصين مساعدتي هما حفيدي يشتغل في البترول في الخارج منحني 10 ألاف أورو ويويو إيدير رفيقي منذ مدة طويلة منحني 10 ألاف أورو كذلك وطالب الابراهيمي منحني 20 ألف دينار . كنت أريد الانسحاب في ظروف جيدة وعقدنا المؤتمر لأجل ذلك وجاء حسين زهوان على رأس الرابطة لأننا كنا حريصون على أن تبقى القيادة في تيزي وزو بحكم أنها ولدت في تيزي وزو. لكن حسين زهوان أثار معارضة شديدة ضده. و مصطفى بوشاشي الذي خلفه أراد الترشح للانتخابات التشريعية وإنسحب ثم حدثت إنشقاقات مع رئيس الرابطة الحالي نور الدين بن يسعد وجناح فيدرالية وهران…. وهكذا إبتعدت نهائيا عن الرابطة ولم تعد تربطني بها أي علاقة. 

ثم عدتم إلى الواجهة من باب  تنسيقية الانتقال الديمقراطي؟ 

إستقبلت مقري هنا في بيتي ثم ممثل عن جاب الله وجيلالي سفيان… إستقبلت خمسة أشخاص في المجموع. وقلت لهم أنا مناضل حقوق الانسان ولست مناضل أي حزب.  قلت لهم أنا مع معارضة جدية لأن السلطة ليس لها إستعداد للتنازل عن أي شيئ. مزافران أنا من إقترحتها لكن للأسف الاسلاميين حاولوا إعطاء صبغة إيديولوجية للتنسيقية ثم جاء بن فليس الذي إعتقد هو الآخر أن الاسلاميين سيصوتون لصالحه… وعليه أنا لم أكن أحضر إجتماعاتهم. صحيح كانوا يضعونني دائما في الصفوف الأولى من أجل الصور لكنني قلت لهم أنني غير معني.