search-form-close

تدهور الدينار، الخوصصة، منعه من المحاضرات… أحمد بن بيتور في حوار مع “TSA عربي”

  • facebook-logo twitter-logo

لا يرى رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور في هذا الحوار مع tsa عربي أي مانع من إمتلاك الدولة فنادق ورؤوس أموال في أي قطاع آخر من قطاعات النشاط بشرط أن نرفع الاحتكار.

كما يعتبر البورصة الموازية فيها منفعة” ويكشف عن منعه من المحاضرة أمام الطلبة ولو في المجال التقني، ناهيك عن العمل السياسي.

السيد أحمد بيتور، تساءلتم في كتابكم الأخير كيف يمكن لشخص فقير مثلكم، لا ينتمي لعائلة نافذة في السلطة ولا جهة كبيرة من الوطن… أن يصل إلى أعلى المناصب في أجهزة الدولة. هذا يقودنا إلى التساؤل أيضا عن طبيعة النظام الحاكم عندنا، إذ هو نظام يختلف عن الأنظمة الشمولية المعروفة خاصة في المنطقة العربية. أليس كذلك؟

هو نظام وليد الثورة والثورة الجزائرية هي من أكبر ثورات الاستقلال في القرن العشرين مع الثورة الفييتنامية. لكن بعد سنة 1959 إستولت مجموعة على السلطة وهذه المجموعة لم يكن لها دورا أساسيا في الثورة سواء في الجهاد ضد المستعمر أو في التحضير لتفجير الثورة. فبعد الاستقلال تكون لديهم مركب نقص جعلهم لا يغلقون كل الأبواب سواء بالنسبة للذين أخذوا السلطة في 1962 أو في 1965 أو في 1979 أو 92 أو 99… هذا من جهة، وهناك عامل آخر هو أنهم لم يجدوا بلدا مبنيا بل في طريق البناء وأتذكر عندما كان المجاهدون يخاطبون الشعب كانوا يقولون “جئنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”.

لهذا كان النظام الحاكم بحاجة لمن لديهم تجربة في البناء والتشييد ولو تنظر إلى تجربتي الشخصية تجد كل دراساتي في مجال التسيير. لدي ليسانس في الرياضيات ثم ديبلوم في الدراسات المعمقة في حساب التقدير والاحصائيات ثم ماستر في الادارة والأعمال، وهي شهادة لم تكن موجودة حتى في أوربا وكان موجودا في أمريكا الشمالية فقط وموجه لتكوين مدراء الشركات، ثم واصلت الدراسة لأتحصل على دكتوراه في الاقتصاد.

ثم أصبحت لدي خبرة كبيرة في تسيير المؤسسات ولما جاء محمد بوضياف رحمه الله طلب مني الدخول في الحكومة وقبلت ذلك بعدما رفضت في السابق، ولما دخلت الحكومة وجدت مشكلة عويصة جدا. فتصور خدمات المديونية الخارجية سنة 1993 كانت تمثل 86 في المائة من مداخيل المحروقات وفي 1994 إرتفعت إلى 114 في المائة، أي كل مداخيل المحروقات لم تكن تكفينا لتغطية خدمات المديونية. فكنا في خناق تطلب منا الذهاب إلى إعادة الجدولة وقد شرحت ذلك في كتابي.

أزمة التسعينيات إذن هي التي فرضت الانتقال إلى نظام تكنوقراطي إن صح التعبير؟

نعم جاءت قوانين جديدة ودستور جديد فتح المجال للتعددية السياسية وإن كان الدستور في تلك المرحلة لم يسمها أحزابا بل جمعيات ذات طابع سياسي. وفي المجال الاقتصادي حدث الانفتاح كذلك لكن مع الأسف ما زالنا إلى اليوم في المرحلة الانتقالية ولم نخرج من دوامة الانتقال الدائم أو المتكرر وعندما جاءت البحبوحة المالية إستعملناها في رفع فاتورة الاستيراد، حيث إرتفعت من 12 مليار دولار سنة 2001 إلى 68 مليار دولار 2014.

نفهم منكم السيد بن بيتور أنكم تكونتم أساسا لتسيير المؤسسات العمومية التي لم نتفق إلى اليوم عن الوجهة المطلوب أن تأخذها. هل يجب أن نخوصص هذه المؤسسات أم يجب تركها في القطاع العام أم ماذا يجب فعله برأيكم لإنقاذها؟

تواجد ال”أوليغارك” (سلطة رجال الأعمال) الذين ظهروا في روسيا في عهد بوريس إيلتسين ثم إنتقلت الظاهرة إلى أمريكا والآن وصلت إلينا. هؤلاء حاصروا السلطة وجعلوها تتخذ القرارات التي يريدونها دون تحمل مسؤوليتها، وهؤلاء أيضا يريدون اليوم أخذ رأس المال العمومي.

يجب أن يعرف الجميع أن كل المؤسسات المفلسة أغلقت في أواخر التسعينيات والمؤسسات العمومية الموجودة اليوم كلها في وضعية مالية مريحة. وهناك الكثير من المغالطات تسوق بخصوص هذه المؤسسات، حيث سمعت خبيرا مثلا يخلط بين مديونية المؤسسات وعجزها المالي. لا توجد أي مؤسسة تمول إستثماراتها كلها من مداخيلها وبالتالي من الطبيعي أن تكون لديها ديون، ومع ذلك نسبة ديون مؤسساتنا العمومية منخفضة مقارنة بالشركات الأمريكية أو الأوربية… إذن هذه المؤسسات ليس عاجزة اليوم وبالتالي الشراكة بين القطاع العام والخاص لماذا؟ إذا كان من أجل جلب رؤوس أموال فهذا غير وارد لأن مؤسساتنا العمومية كما قلنا لا تعاني العجز، وإذا كان لجلب خبرة في التسيير أنا لا أعتقد أن القطاع الخاص عندنا يملك من التجربة في التسيير ما يسمح له يتحسين وضعية سوناطراك أو الخطوط الجوية الجزائرية أو سونالغاز أو البنك الوطني الجزائري…

الحديث عن الخوصصة إذن يتطلب منا فتح مجال الاستثمار أمام القطاع الخاص وشخصيا عندما كنت في الحكومة فتحت قطاع التأمينات للخواص واليوم هناك شركات خاصة وعمومية تتنافس في هذا المجال.

كنتم في الحكومة عندما بدأت أولى عمليات الخوصصة..؟

أنا لم “أخوصص” أي شركة عمومية وهناك مغالطة أخرى تتعلق بفرض الأفامي  الخوصصة. لنتفق جيدا الأفامي لا تدخل في مهامه تسيير المؤسسات بل مهامه تقتصر على تسيير التوازنات المالية الكبرى ولم يفرض علينا الخوصصة ولا أي شئي آخر.

لكن الخوصصة بدأت في تلك المرحلة؟

كنا نتحدث آنذاك عن فتح مجال الاستثمار أمام القطاع الخاص في حين الخوصصة تعني بيع رأس المال العمومي للخواص. كنا نريد أن نزيل الاحتكار لأنه أكبر عائق يحول دون تنمية الاقتصاد.

أنصار الخوصصة يطرحون هذه الفكرة اليوم من باب وقف نزيف الأموال العمومية التي تذهب إلى هذه المؤسسات المفلسة. ما رأيكم؟

هذا كذب وتغليط للرأي العام. أين هي المؤسسات العمومية المفلسة؟ الخطوط الجوية شركات الاسمنت… لا توجد شركة عمومية مفلسة ولا يوجد في الميزانية العمومية اليوم أي عنوان إسمه تمويل المؤسسات العمومية.

ولكن هل يعقل أن تبقى الدولة تسير فنادق مثلا؟

هذه أكبر مغالطة، هناك فرق بين التحكم في رأس المال والتسيير. أن تتحكم الدولة في رأس مال مؤسسة لا يعني أن تسيرها والمشكل المطروح اليوم هو غياب مجالس الادارة لدى المؤسسات العمومية، ما يسمح بالاستعانة بالخبرات في التسيير دون أن تدخل هذه الخبرات في رأس المال. وحينها تصبح القرارات الاستراتيجية من صلاحيات مجلس إدارة أي شركة وهذا غير موجود مع الأسف الشديد

وفي هذه الحالة لا ترون أي مشكل أن تملك الدولة فندق؟

أين المشكل؟ من يريد أن يستثمر في الأوراسي أو فندق الجزائر، لماذا لا يفتح فندقا جديدا ككل الذين فتحوا أو بصدد فتح فنادق جديدة؟

وأين المانع أن تبيع الدولة فنادق وتتفرغ لمجالات أخرى؟

هذا موضوع آخر. إذا كانت إستراتيجية الدولة تقوم على التخلص من بعض القطاعات من أجل تدعيم وجودها في قطاعات أخرى فهذا أمر معقول، لكن في هذه الحالة كذلك لا جدوى أن يدخل القطاع الخاص في رأس مال المؤسسات العمومية، بل يتعين عليه شراء هذه المؤسسات مباشرة.

هناك ملف آخر يدخل في إختصاصكم  ويشغل  السلطات العمومية، هو وضعية الدينار الجزائري الذي لا يتوقف عن السقوط أمام العملات الأجنبية. هل تخفيض قيمة الدينار هو الحل الذي سيساعد الحكومة على مواجهة الأزمة؟

هناك ثلاثة عوامل تؤدي حاليا إلى إنخفاض قيمة الدينار هي الجباية البترولية والاستيراد والتمويل غير التقليدي. فعندما تقوم الحكومة بحساب الجباية البترولية على أساس سعر صرف 110 دينار مقابل الدولار بدلا من 70 دينار في السابق يتخيل للحكومة أن مداخيلها إرتفعت لكنه إرتفاع وهمي. ونفس الشيئ بالنسبة للاستيراد حيث تنخفض قيمة الدينار لمواجهة فاتورتها. لكن مع ذلك لا تكفي هذه التخفيظات لامتصاص عجز الميزانية الكبير، ما دفع الحكومة إلى التمويل غير التقليدي أي طبع الوراق النقدية الذي يؤدي بدوره إلى التضخم  ومن ثمة إنخفاض قيمة الدينار وهكذا… مواجهة الأزمة بتخفيض قيمة الدينار إذن يساعد الحكومة وهميا فقط.

الحل في قابلية تحويل العملة الوطنية ربما، وإن كنتم ضد هذا الخيار منذ فترة طويلة؟

قابلية التحويل التجاري للدينار شيئ إيجابي ومشينا في هذا الاتجاه ثم جاءت قابلية تحويل الدينار في مجال الخدمات… أما في مجال رأس المال فهذا خطر لأن الناس ليس لها ثقة في العملة الوطنية. لقد جرب البرتغال تحويل عملته في سبعينيات القرن الماضي عندما كان لديه مخزون لا بأس به من العملة الصعبة. وعندما فتح مجال تحويل العملة فقدت هذا المخزون في ظرف ثلاثة أشهر. وحتى فرنسا لم تعتمد قابلية تحويل عملتها إلا سنة 1982.

المشكل عندنا أن أي جزائري لو تقول له بإمكانك أن تحول حسابك الجاري من الدينار إلى العملة الصعبة سيحوله في الحين وبالتالي في ظرف أسبوع أو أسبوعين سينفد مخزوننا من العملة الصعبة.

البورصة الموازية هي طريقة أخرى لفتح مجال تحويل الدينار. أليس كذلك؟

نعم بما أنه يمكنك فتح حساب بالعملة الصعبة وصب العملة الصعبة التي تشتريها من هذه الأسواق فيها دون ان يسألوك من أين تحصلت عليها.

وهل هي إيجابية ؟

هي تخفف الضغط عن البنك المركزي وتنفع من الناحية الاقتصادية، بحيث هناك من هو بحاجة لشراء دواء مثلا والبنك لا يمنحه عملة صعبة فيلجأ إلى السوق الموازية. وأتصور أننا سنعود في المستقبل إلى إجراء “isp” أي الاستيراد من قبل الأفراد دون المرور على الإجراءات البنكية كما كان معمولا به في الثمانينات.

وماذا عن تغيير العملة؟

ماذا يعني تغيير العملة؟ في السابق كانت الحكومات تغير عملتها لتقلص من عدد الأصفار، لكن اليوم هناك الاقتصاد الرقمي يسمح لك بكتابة عدد لا متناهي من الأصفار دون أن يحدث أي مشكل.

ما هو الحل إذن؟

الحل هو في بناء ثقة بين الحاكم والمواطن وهذا يمر عبر تغيير النظام كله وليس الأشخاص.

مداخيلنا لن ترتفع إلى أكثر من 30 مليار دولار سنويا في العشر سنوات القادمة بينما مصاريفنا ستفوق 60 مليار دولار. ومخزون العملة الصعبة الذي بحوزتنا اليوم يكفينا لتغطية العجز في 2019 وفي 2020 لن يكفي لتغطية العجز في تموين الاقتصاد. زد على ذلك فستأتي حتما الندرة والمواطن لن يقبل بأن يتحمل هذه الأعباء ببقاء المسؤولين عليها في الحكم. لكن إذا كان هناك نظام جديد يشرح للمواطن الوضع ويشرح لهم الاجراءات الواجب إتخاذها سيتقبلون الوضع.

أنا مثلا في برنامجي عندما كنت في الحكومة حددت 15 منطقة إستثمار ولكل منطقة خصوصيات، منها خصوصيات فلاحية وخصوصيات ثقافية وصناعية… فعلى هذا الأساس فقط يمكننا فتح باب الاستثمار وهناك جزائريون جمعوا أموالا كبيرة وهم مستعدون لاستثمارها إذا فتحنا لهم الباب لذلك.

هذه المناطق الاستثمارية بدأت تظهر، مثل منطقة غرب البلاد التي تتحول تدريجيا إلى قطب لصناعة السيارات. ما رأيكم؟

هل هناك دراسة مسبقة تقول بأن الغرب الجزائري سيكون قطبا لصناعة السيارات؟ أبدا لا توجد أي دراسة من هذا النوع. كان يجب دراسة هذه المنطقة لتحديد طبيعة الاستثمار الذي يساعدها على النمو.

تقصد أن إقامة قطب صناعي للسيارات في الغرب خطأ من الناحية الاقتصادية؟

لو نأخذ “رونو” مثلا، لقد خصصوا لها 50 هكتارا من الأراضي الفلاحية لاقامة مصنعها. هذا خطا كبير لأن مصنع “رونو” كان يجب إقامته قرب أحد الموانئ مثل مصنع طنجة … للأسف لا يوجد من يقوم بالدراسات الاستراتيجية في البلاد الآن، كل واحد يقول أنه يسير على برنامج رئيس الجمهورية والحقيقة أن هذا البرنامج إن وجد فكان ذلك سنة 1999.

هل كان موجود هذا البرنامج في 1999 عندما كنتم على رأس الحكومة؟

لم أره أبدا. لقد طلب مني قبل أن أكون في الحكومة أن أشارك في إعداد البرنامج الانتخابي لرئيس الجهورية آنذاك، لكنني إكتشفت بعدها أن إقتراحاتي كلها لم تأخذ بعين الاعتبار.

هناك تعديل دستوري في 2008 غير ربما المعطيات بحيث كان رئيس الحكومة في السابق يقدم برنامجه أمام البرلمان والآن الوزير الأول يطبق برنامج الرئيس. أليس كذلك؟

لا نظريا برنامج رئيس الحكومة حتى في الدستور السابق كان عبارة عن برنامج تنفيذي لبرنامج الرئيس الذي هو عبارة عن خطوط عريضة. لكن حتى هذه الخطوط العريضة غير موجودة ومن يقول لنا أنفذ برنامج الرئيس قل له أعطيني أربعة أسطر فقط من هذا البرنامج وسترى أنه لا يستطيع أن يقدمها لك.

وكيف ترون سنة 2018 على المستوى السياسي؟

 لا يوجد عمل سياسي في الحقيقة لأن مفهوم المعارضة غير معترف به ولا يتركون احد يتكلم. تصور تلقيت كم من دعوة لتقديم محاضرة تقنية أمام الطلبة وفي كل مرة يمنعونني من ذلك.

هل يمكن أن تذكر لنا حالات منعت فيها من تقديم محاضرة؟

لا أستطيع تقديم حالات حتى لا أتسبب في مشاكل للناس. هناك حالة مثلا المنظمون ألغوا ندوتهم بعدما قيل لهم أن بن بيتور غير مقبول وهناك حالة أخرى الطلبة أصروا على تنظيم المحاضرة ليلا في الهواء الطلق بعدما رفض الترخيص لهم بتنظيم المحاضرة بشكل عادي وهناك حالات تم الاتصال بي بعدما تم ترتيب كل شيئ ليعتذروا مني… أذكر هذا لأقول لكم بأنه لا توجد إمكانية للعمل السياسي وبالتالي لا وجود لحل سياسي للخروج من الأزمة.

هذا الوضع مرشح للاستمرار طويلا، السيد بن بيتور؟

قبل أن تسألني عن العهد الخمسة أقول لك أنني أتصور ذلك لأن عوامل العهدة الخامسة ليست متوفرة.لكن كل الذين يعرفون بوتفليقة يستبعدون ذهابه من الحكم إلا بالوفاة؟

للضرورة احكامها. في سنة 1994 إنسحب لأنه لم تكن هناك أموال في الخزينة وهذه الأموال لم تعد موجودة اليوم كذلك. ربما يعتقدون أن إرتفاع البترول إلى 70 دولار سيستمر، والحقيقة أن هذا الارتفاع ناتج عن شتاء خاص تشهده الولايات المتحدة وأوربا هذه السنة. وعليه أنا أقول أن المعدل السنوي لبرميل البترول في العشر سنوات القادمة لن يتجاوز 60 دولار. ومن هنا البنزين الذي يسير به النظام والمتمثل في العملة الصعبة الناتجة عن تصدير المحروقات لن تكون كافية.

وهناك مؤشر آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو أن الجيش وقوات الأمن بصفة عامة لو يحدث إنفجار إجتماعي سيبقى في الحياد أو يميل إلى صف الشعب وليس إلى صف النظام هذه المرة، بالاضافة إلى شبكة التواصل الاجتماعي وقدرتها على التجنيد ضد بقاء النظام كل هذه العناصر هي معطيات جديدة لم تكن موجودة في السابق وتدل على أن النظام الحالي لا يستطيع الاستمرار بعد 2019.